إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كنت مع النبي في حرث بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب

          7297- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ) التَّبَّان المدنيُّ قال:(حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) ابن أبي إسحاق أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيَّ (عَنْ عَلْقَمَةَ) بن قيسٍ (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) عبد الله ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي حَرْثٍ) بالحاء المهملة المفتوحة، والرَّاء السَّاكنة بعدها مثلَّثةٌ: زَرْعٍ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”في خِرَبٍ“ بخاءٍ معجمةٍ مكسورةٍ وراءٍ مفتوحة بعدها موحَّدةٌ (بِالمَدِينَةِ، وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ) بفتح العين وكسر السِّين المهملتين وبعد التَّحتيَّة موحَّدةٌ، عصًا من جريد النَّخل (فَمَرَّ) صلعم (بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ) زاد في «الإسراء» [خ¦4721] «لبعض»: (سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ) الذي في الحيوان، أي: عن حقيقته (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ لَا يُسْمِعْـُكُمْ) بضمِّ أوَّلِهِ والجزم على النَّهي‼ والرَّفع على الاستئناف (مَا تَكْرَهُونَ) أي: إن لم يفسِّره؛ لأنَّهم قالوا: إن فسَّره؛ فليسَ بنبيٍّ، وإن لم يفسِّره؛ فهو نبيٌّ، وقد كانوا يكرهون نبوَّتَهُ (فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ، حَدِّثْنَا) بكسرِ الدَّالِ والجزمِ (عَنِ الرُّوحِ، فَقَامَ) صلعم (سَاعَةً يَنْظُرُ) قال ابنُ مسعود: (فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ) خوفًا أن يتشوَّشَ بقربي (حَتَّى صَعِدَ الوَحْيُ) بكسر العين المهملة(1) (ثُمَّ قَالَ) ╕ : ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء:85]) ممَّا استأثَرَ بعلمِه، وعن أبي بريدة(2): لقد مضى النَّبيُّ صلعم وما يَعلم الرُّوحَ، ولقد عجزتِ الأوائلُ عن إدراك ماهيَّته بعد نَفاق(3) الأعمار الطَّويلة على الخوض فيه، والحكمةُ في ذلك عجزُ العقل عن إدراك(4) مخلوقٍ مجاورٍ له؛ ليدلَّ على أنَّه عن إدراك خالقِهِ أعجز، ولذا رُدَّ ما قيل في حدِّه: إنَّه جسمٌ رقيقٌ هوائيٌّ في كل جزءٍ من الحيوان، وقوله: ”{وَيَسْأَلُونَكَ}“ بإثبات الواو في الفرع كأصله، وفي بعض النُّسخ بحذفها، فقال بعضهم: التِّلاوة بإثباتها، يعني أنَّ هذا مما وقع في «البخاريِّ» من الآيات المتلوَّة على غير وجهها، قال البدر الدَّمامينيُّ في «مصابيحه»: ليس هذا من قبيل المغيَّر؛ لأنَّ الآية المقترنة بحرف عطفٍ يجوز عند حكايتها أن تقرن بالعاطف، وأن تُخْلى منه، نصَّ على جواز الأمرين الشَّيخُ بهاءُ الدِّين السُّبكيُّ في «شرح مختصر ابن الحاجب» مثال الأوَّل «ما أجد لي ولكم مثلًا(5) إلَّا كما قال العبد الصَّالح: فصبرٌ جميل»... [خ¦2661] إلى غير ذلك(6)، ومثال الثَّاني قوله ╕ حين سُئِل عن الخمر: «ما أُنزل عليَّ فيها شيءٌ إلَّا هذه الآية الجامعة الفاذَّة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}»[الزلزلة:7_8] [خ¦2371] قال: وقد أشبعنا الكلام على ذلك في «حاشية المغني» فليراجع منها(7).


[1] «المهملة»: ليس في (د).
[2] في (د): «بريد» وليس بصحيحٍ.
[3] في (ب) و(س): «إنفاق».
[4] زيد في (ع) و(ص): «معرفة».
[5] في غير (ع): «مثالًا».
[6] زيد في (د): «وهو كثيرٌ».
[7] زيد في (ص): «والله تعالى أعلم».