إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم

          7288- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) أي: ابن أبي أويسٍ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ)‼ الإمام (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن / ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ) أي: اتركوني مدَّة تركي إياكم بغير(1) أمرٍ بشيءٍ ولا نهيٍ عن شيءٍ، أو لا تُكثِروا من الاستفصال فإنَّه قد يُفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل؛ إذ أُمِروا بذبح البقرة فشدَّدوا فشدَّد الله عليهم، كما قال: (إِنَّمَا هَلَكَ(2) مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ) بالموحَّدة، أي: بسبب سؤالهم، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”أَهْلَكَ“ بزيادة الهمزة المفتوحة من الثُّلاثيِّ المزيد ”سؤالُهم“ بإسقاط الموحَّدة، مرفوعٌ فاعلُه ”واختلافُهم“ عطفٌ عليه، وفي «الفتح» وفي رواية غير(3) الكُشْمِيهَنيِّ: ”أُهْلِكَ“ بضمِّ أوّله وكسر اللَّام (عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وهذا _كما قال النَّوويُّ_ من جوامع كَلمِه صلعم ، ويدخل فيه كثيرٌ من الأحكام كالصَّلاة لمن عجز عن ركنٍ منها أو شرطٍ، فيأتي بالمقدور، وسبب هذا الحديث على(4) ما ذكره مسلمٌ من رواية محمَّد بن زيادٍ عن أبي هريرة ☺ : خَطَبنا رسول الله صلعم فقال: «يا أيُّها النَّاس قد فرض الله عليكم الحجَّ، فحجُّوا»، فقال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتَّى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلعم : «لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم» ثمَّ قال: «ذَروني ما تركتكم» الحديث، وأخرجه الدَّارقطنيُّ مختصرًا، وزاد فيه: « فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:101]» .
          ومطابقة حديث الباب لما ترجم به تُؤخَذ من معنى الحديث؛ لأنَّ الذي يجتنب ما(5) نهاه عنه(6) صلعم ، ويأتمر بما أمره به، فهو ممَّن اقتدى بسُنَّته.


[1] في (ع): «لغير».
[2] في (د): «أهلك»، وستأتي.
[3] في غير (د) و(ع): «عن»، وهو تحريفٌ.
[4] «على»: ليس في (د).
[5] في غير (ب) و(س): «عمَّا».
[6] «عنه»: مثبتٌ من (ب) و(س).