إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقًا بعيدًا

          7282- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دكينٍ / قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ هَمَّامٍ) هو ابن الحارث (عَنْ حُذَيْفَةَ) بن اليمان ☺ أنَّه (قَالَ: يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ) بضمِّ القاف وتشديد الرَّاء، مهموزًا، جمع «قارئٍ» والمراد: العلماء بالقرآن والسُّنَّة العبَّاد (اسْتَقِيمُوا) اسلكوا طريق الاستقامة بأن تتمسَّكوا بأمر الله فعلًا وتركًا (فَقَدْ سُبِقْتُمْ) بضمِّ السِّين وكسر الموحَّدة مصحَّحًا عليه في الفرع كأصله مبنيًّا للمفعول، أي: لازِموا الكتاب والسُّنَّة؛ فإنَّكم مسبوقون (سَبْقًا بَعِيدًا) أي: ظاهرًا، ووصفه بالبعد؛ لأنَّه غاية شَأْو المتسابقين، ولأبي ذرٍّ: ”سَبَقْتُمْ“ بفتح السِّين والموحَّدة، قال في «الفتح»: وبه جزم ابن التِّين، وهو المعتمَد، وزاد محمَّد بن يحيى الذُّهليُّ عن أبي نُعيمٍ شيخ البخاريِّ فيه: «فإن استقمتم؛ فقد سبقتم» أخرجه أبو نُعيم في «مستخرجه» وخاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام، فإذا تمسَّك بالكتاب والسُّنَّة؛ سبق إلى كلِّ خيرٍ(1)؛ لأنَّ من جاء بعده إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام، وإلَّا؛ فهو أبعد منه حسًّا وحكمًا (فَإِنْ) خالفتم الأمر و(أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا) عن طريق الاستقامة (لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «استقيموا»؛ لأنَّ الاستقامة هي الاقتداء بسنن رسول الله صلعم ، وقد قال ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام:153] قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وقال القرطبيُّ أبو محمد: الصِّراط الطَّريق الذي هو دين الإسلام، وقوله: {مُسْتَقِيمًا} نصبٌ على الحال، والمعنى مستويًا قويمًا لا اعوجاجَ فيه، وقد بيَّنه على لسان نبيِّه صلعم ، وتشعَّبت منه طرقٌ، فمن سلك الجادَّة نجا، ومن خرج إلى تلك الطُّرق أفضت به إلى النَّار، وعن ابن مسعودٍ قال: «خطَّ رسول الله صلعم خطًّا بيده ثمَّ قال: هذا سبيل الله مستقيمًا، وخطَّ عن يمينه وشماله ثمَّ قال: هذه السُّبل ليس منها سبيلٌ إلَّا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثمَّ قرأ: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} الاية[الأنعام:153]»‼ رواه الإمام أحمد.


[1] «خير»: مثبتٌ من (ع)، وهي ثابتة في الفتح.