إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها

          582- 583- وبه قال: (حدَّثنا مُسَدَّدٌ) المذكور (قَالَ: حدَّثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطَّان (عَنْ هِشَامٍ) أي(1): ابن عروة (قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي) عروة بن الزُّبير (قَالَ: أَخْبَرَنِي) وللأَصيليِّ: ”حدَّثني“ بالإفراد فيهما (ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا تَحَرَّوْا) بحذف إحدى التَّاءين تخفيفًا، أي: لا تقصدوا (بِصَلَاتِكُمْ) بالمُوحَّدة، وللأَصيليِّ: ”لصلاتكم“ (طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا) خرج بالقصد عدمه، فلو استيقظ من نومه أو ذكر ما نسيه فليس بقاصدٍ، وفي «الرَّوضة» كـ «أصلها»: لو دخل المسجد في أوقات الكراهة ليصلِّيَ التَّحيَّة(2) فوجهان، أَقْيَسُهما الكراهة، كما لو أخَّر الفائتة ليقضيها فيها. انتهى. قال في «الغرر البهيَّة»: وينبغي أن يكون المكروه الدُّخول لغرض التَّحيَّة، وتأخير الفائتة إلى ذلك الوقت، أمَّا فعلها فيه فكيف يكون مكروهًا؟ وقد يكون واجبًا بأن فاتته عمدًا، بل العصر المُؤدَّاة تأخيرها لتُفعَل وقت الاصفرار مكروهٌ، ولا نقول بعد التَّأخير: إنَّ إيقاعها فيه مكروهٌ، بل واجبٌ، وأقول: بل فعل كلٍّ من ذلك فيما ذُكِرَ مكروهٌ أيضًا لقوله: «لا تحرَّوا بصلاتكم طلوع الشَّمس ولا غروبها»، لكنَّ المؤدَّاة منعقدةٌ لوقوعها في وقتها بخلاف التَّحيَّة والفائتة المذكورتين، وكونها قد تجب لا يقتضي صحَّتها فيما ذُكِر لأنَّه بالتَّأخير إلى ذلك مراغم للشَّرع بالكِّليَّة، ولأنَّ المانعُ مُقدَّمٌ(3) على المقتضي عند اجتماعهما، وقد قِيلَ: هذا الحديث مُفسِّرٌ للسَّابق، أي: لا تُكرَه الصَّلاة بعد الصَّلاتين إلَّا لمن قصد بها(4) طلوع الشَّمس وغروبها، وجزم الأكثرون بأنَّ المراد أنَّه نهيٌ مستقلٌّ، وجعلوا الكراهة مع القصد وعدمه، وقِيلَ: إنَّ قومًا كانوا يتحرَّون طلوع الشَّمس وغروبها، فيسجدون لها عبادةً من دون الله فنهى ╕ أن يتشبَّه(5) بهم.
          وفي هذا الحديث: رواية الابن عن الأب، والتَّحديث والعنعنة والإخبار والقول، وأخرجه المؤلِّف في «صفة إبليس» [خ¦3273] لعنه الله تعالى(6)، ومسلمٌ والنَّسائيُّ كلاهما مُقطَّعًا في «الصَّلاة».
          (وَقَالَ) عروة بن الزُّبير: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي الوقت والهرويِّ: ”قال: وحدَّثني“ (ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ) أي: طرفها الأعلى من قرصها، سُمِّي به(7) لأنَّه أوَّل ما يبدو منها فيصير(8) كحاجب الإنسان، وللأَصيليِّ: ”حاجبا الشَّمس“ (فَأَخِّرُوا الصَّلاة) أي(9): الَّتي لا سبب لها (حَتَّى) أي: إلى أن (تَرْتَفِعَ) الشَّمس (وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاة) الَّتي لا سبب لها (حَتَّى تَغِيبَ) زاد المؤلِّف في «بدء الخلق» [خ¦3273] من طريق عبدة: «فإِنَّها تطلع بين قرني شيطانٍ»، وعند مسلمٍ من حديث عمرو بن عبسة: «وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار»، ومراد المؤلِّف بسياق هذا الحديث: المحافظة على لفظتي: «حدَّثنا وأخبرنا»؛ بناءً على الفرق أو المُبالَغة‼ في التَّحفُّظ.
           (تَابَعَهُ) ولابن عساكر: ”قال محمَّدٌ، يعني: البخاريُّ: تابعه“ أي: تابع يحيى القطَّان على رواية(10) هذا الحديث عن هشامٍ (عَبْدَةُ) بفتح العين وسكون المُوحَّدة، ابن سليمان، ممَّا أخرجه المؤلِّف في «بدء الخلق» [خ¦3272].


[1] «أي»: ليس في (ص) و(م).
[2] في (د): «التَّحتيَّة»، وهو تحريفٌ.
[3] في (د) و (م): «يقدَّم».
[4] في (م): «بهما».
[5] في غير (ب) و(س): «يُشبَّه».
[6] «لعنه الله تعالى»: ليس في (ص) و(م).
[7] في (م): «بذلك».
[8] في (د) و(ص): «يصير».
[9] «أي»: ليس في (ص) و(م).
[10] في (د): «روايته».