الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس

          ░2▒ (باب: فَضْل الْمَدِينَة وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاس)
          أي: الشِّرارَ منهم، وراعى في التَّرجمة لفظ الحديث، وقرينة إرادة الشِّرار مِنَ النَّاس ظاهرة مِنَ التَّشبيه الواقع في الحديث، والمراد بالنَّفي الإخراج، ولو كانت الرِّواية: تُنَقِّي _بالقاف_ لحُمل لفظ (النَّاس) على عمومه، وقد ترجم المصنِّف بعد أبواب (المدينة تنفي الخبث). انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ العَينيُّ: قلت: جعلوا لفظ (تنفي) / مِنَ النَّفي، فلذلك قدَّروا هذا التَّقدير، والأحسن عندي أن يكون هذا اللَّفظ مِنَ التَّنقية _بالقاف_ والمعنى: أنَّ المدينة تنقِّي النَّاس تبقي خيارهم وتطرد شرارهم، ويناسب هذا المعنى قوله صلعم: ((إنَّ الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَتَنْصَعُ طَيِّبُهَا)) وإنَّما قلنا: يناسب هذا المعنى قوله صلعم مِنْ حيثُ إنَّ حاصل المعنى يَؤُول إلى ما ذكرنا، وإن كان لفظ الحديث مِنَ النَّفي بالفاء(1). انتهى.
          قلت: والأَوجَهُ عندي ما قالَ العَينيُّ لئلَّا يوهم تكرار التَّرجمة بما يأتي مِنْ (باب: المدينة تنفي الخَبَث)، لكنَّ كلام الحافظ يشير إلى أنَّ الرِّواية في التَّرجمة أيضًا بلفظ الفاء وعلى هذا فللتَّأويل للتَّرجمة مساغ بأن يقال: إنَّ الخَبَث غير الخبيث. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وأوجه منه أن يقال في دفع التَّكرار: إنَّ الغرض مِنَ التَّرجمة هاهنا هو إثبات فضل المدينة، وهو ثابت بالجزء الأوَّل مِنَ الحديثِ بقوله: ((أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى)) كما هو ظاهر، وأمَّا قوله في التَّرجمة: (وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاس) ذكره استطرادًا لوجوده في حديث الباب، وأمَّا التَّرجمة الثَّانية الآتية فالمقصود منه النَّفي خاصَّة.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع» قوله: (وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاس) ولا يستلزم نفيها النَّاس ألَّا يبقى فيها أحد ممَّن هو خليق بالنَّفي، بل هي تدوم تنفيهم عنها، وتبقى مع ذلك بقيَّة منهم فيها، نعم يتحقَّق كمال هذا النَّفي في وقت المهديِّ وعيسى ♂. انتهى.


[1] عمدة القاري:10/234 مختصرا