الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: الإيمان يأرز إلى المدينة

          ░6▒ (باب: الإيمان يَأْرزُ إلى المدينة)
          بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الرَّاء وقد تضمُّ، بعدها زاي، وحكى ابن التِّينِ عن بعضهم فتح الرَّاء، وقال: إنَّ الكسر هو الصَّواب، ومعناه: ينضمُّ ويجتمع. انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: لعلَّ الغرض أنَّ فضل المدينة لا يختصُّ بزمانه صلعم، بل هو في جميع الأزمنة.
          قال الحافظ: قوله: ((كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ...)) إلى آخره، أي: أنَّها كما تنتشر مِنْ جُحرها في طلب ما تعيش به، فإذا راعها شيء رجعت إلى جُحرها، كذلك الإيمان انتشر في المدينة، وكلُّ مؤمن له مِنْ نفسه سائق إلى المدينة لمحبَّته في النَّبيِّ صلعم، فيشمل ذلك جميع الأزمنة لأنَّه في زمن النَّبيِّ صلعم للتَّعلُّم منه، وفي زمن الصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم، ومِنْ بعد ذلك لزيارة قبره صلعم، والصَّلاة في مسجده، والتَّبرُّك في مشاهدة آثاره وآثار أصحابه(1). انتهى.
          ثمَّ لا يخفى عليك ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» قوله: ((لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ)) ظاهر التَّشبيه أنَّه لا يبقى في المدينة شيء منه حين خروجه إلى البلاد، وهو غير مراد، بل المعنى أنَّه ينتشر منها إلى البلاد، ثمَّ يأتي زمان لا يبقى مؤمن إلَّا وهو في المدينة، وذلك لِما عُلم أنَّ المدينة آخر البلاد خرابًا، وليس ذلك إلَّا لبقاء الإيمان فيه. انتهى.
          قلت: ما أفاده الشَّيخ فهو جيِّد لطيف جدًّا.


[1] فتح الباري:4/93