التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أنزل على رسول الله وهو ابن أربعين فمكث ثلاث عشرة سنةً

          3851- قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ): هو أحمد بن عبد الله بن أيُّوب، أبو الوليد بن أبي رجاء الحنفيُّ الهرويُّ، وقيل: أحمد بن أبي رجاء عبدِ الله بنِ واقد بن الحارث، عنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، ويحيى القطَّانِ، وأبي أسامةَ، والنضرِ بنِ شُمَيل، وجماعةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وإسحاقُ الكوسجُ، والدارميُّ، وأبو حاتمٍ وقال: (صدوق)، وآخرون، قال الحاكمُ: (إمامُ عصرِه بهراةَ في الفقه والحديث، طلب مع أحمدَ ابنِ حنبل، وكتب بانتخابه)، قيل: مات في نصف جمادى الآخرة سنة ░232هـ▒، أخرج له البُخاريُّ فقط.
          قوله: (حَدَّثَنَا النَّضْرُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بالضاد المعجمة، وأنَّ (نصرًا) الذي هو بالصاد المهملة لا يأتي بالألف واللام، بخلاف هذا؛ فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما [خ¦152]، وهو النضر بن شُمَيل، و(هِشَام) هذا: هو ابنُ حسَّان القُرْدُوسِيُّ البصريُّ، تَقَدَّم مترجمًا [خ¦1219]، وهو حافظٌ.
          قوله: (أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ(1) صلعم): (أُنزِل): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.
          قوله: (وَهوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَة): اعلم أنَّ هذه المسألة اختُلِف فيها؛ فعن ابن عبَّاس وجُبَير بن مُطْعِم وقباث بن أشيم وعطاء وسعيد بن المُسَيِّـَب الذهابُ إلى هذا القول، وهو صحيحٌ عند أهل السِّيَر والعلم بالأثر، والأربعون سنُّ الكمال، قال ابنُ قيِّم الجوزيَّة في «الهَدْي» في (المبعث): (قيل: ولها تُبعَث الرسل)؛ يعني: لأربعين سنة، قال: (وأمَّا ما يُذكَر عن المسيح أنَّه رُفِع إلى السماء وله ثلاثٌ وثلاثون سنةً؛ فهذا لا يُعرَف / به أثرٌ متَّصلٌ يجب المصير إليه)، انتهى، وقد تَقَدَّم بزيادةٍ ذكرتُها في (باب صفةِ النَّبيِّ صلعم)؛ فانظرها، فإنَّها تَرُدُّ ما ذكر في سنِّه ورفعه، والله أعلم، وقيل: كان سنُّه صلعم يوم بُعِث أربعين سنةً ويومًا، وذكر بعضُهم: (قيل: وعشرة أيَّام)، وقال السُّهيليُّ: (وقد رُوِيَ أنَّه نُبِّئ لأربعين وشهرين من مولده)، انتهى، وفي المسألة قولٌ خامسٌ: حكى القاضي عياض عن ابن عبَّاس وسعيد بن المُسَيِّـَب روايةً شاذَّة: أنَّه ◙ بُعِث على رأس ثلاث وأربعين سنةً، وصوَّب الشيخ محيي الدين النَّوويُّ أنَّه نُبِّئ على رأس الأربعين، قاله في «شرح مسلم».
          فحصل في المسألة خمسة أقوال: أربعون، أربعون ويوم، أربعون وعشرة أيَّام، أربعون وشهران، ثلاث وأربعون سنةً وهذا أضعفها، والله أعلم، وأضعفُ منه ما حكاه مغلطاي في «سيرته الصغرى» عن العُتقيِّ: (أنَّه كان ابنَ خمسٍ وأربعين _يعني: حين نزل القرآن_ لسبع وعشرين من رجب، قاله الحُسَين)، انتهى.
          قوله: (فَمَكَثَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ): هذا هو القول الصحيح أنَّه ◙ عاش ثلاثًا وستين سنة، وقيل: ستين، وقيل: خمسًا وستين، وقيل غير ذلك ممَّا تَقَدَّم [خ¦3536]، ونُبِّئ على رأس الأربعين، كما تَقَدَّم أعلاه على الصحيح، فمكث بمكَّة ثلاث عشرة سنة بعد النُّبوَّة على الصحيح، ثُمَّ هاجر، فأقام بالمدينة عشرًا، وإقامته بالمدينة عشرًا(2) لا خلاف فيها، وإنَّما الخلاف في إقامته بمكَّة بعد النُّبوَّة، وقدَّمتُ [خ¦3536] أنَّ في «سيرة شيخنا العراقيِّ» أنَّ القولين _وهُمَا: إقامته بمكَّة بعد النُّبوَّة عشرًا، أو خمس عشرة_ قولان واهِنان بمرَّة.
          وقال السُّهيليُّ في «روضه» لمَّا ذكر فترة الوحي، وأنَّها كانت سنتين ونصفًا؛ قال: (وقد جاء ذلك في بعض الأحاديث المُسنَدة)، ثُمَّ قال: (فمِن ههنا يتَّفق ما قاله أنس بن مالك: «أنَّ مكثه بمكَّة كان عشر سنين» [خ¦3547]، وقولَ ابن عبَّاس: «ثلاث عشرة» [خ¦3851]، وكان قد ابتُدِئ بالرؤيا الصادقة ستَّةَ أشهر، فمَن عدَّ مدَّة الفترة وأضاف إليها الأشهر السِّتَّة؛ كانت كما قال ابن عبَّاس، ومَن عدَّها مِن حين حميَ الوحيُ وتتابع؛ كان كما في حديث جابر: «كانت عشر سنين» [خ¦4926]، ووجهٌ آخرُ في الجمع بين القولين أيضًا، وهو أنَّ الشَّعْبيَّ قال: وُكِّل إسرافيلُ بنبوَّة محمَّد ◙ ثلاث سنين، ثُمَّ جاءه جبريلُ بالقرآن)... إلى أن قال: (وإذا صحَّ؛ فهو أيضًا وجه في الجمع بين الحديثين، والله أعلم)، انتهى.
          وقال بعض الحُفَّاظ: (وكان عمره إذ تُوفِّي ثلاثًا وستين فيما ذكره البُخاريُّ [خ¦4466]، وثبَّته ابن سعد وغيره، وفي «مسلم»: خمس وستُّون، وصحَّحه أبو حاتم في «تاريخه»، وفي «الإكليل»: ستُّون، وفي «تاريخ ابن عساكر»: ثنتان وستُّون ونصف، وفي كتاب ابن شبَّة: إحدى أو اثنتان، لا أُراه بلغ ثلاثًا وستِّين، وجُمِعَ: بأنَّ من قال: خمسًا؛ حسب السنة التي ولد فيها والتي قبض فيها، ومن قال: ثلاثًا _وهو المشهور_ أسقطهما، ومن قال: ستِّين؛ أسقط الكسور، ومن قال: ثنتين وستِّين ونصفًا؛ كأنَّه اعتمد على حديثٍ في «الإكليل» _وفيه كلامٌ_: «لم يكن نبيٌّ إلَّا عاش نصف عمر أخيه الذي قبله، وقد عاش عيسى ◙ خمسًا وعشرين ومئة»، ومن قال: إحدى أو اثنتين؛ فشكَّ ولم يتيقَّن، وكلُّ ذلك إنَّما نشأ مِنَ الاختلاف في مقامه بمكَّة بعد البعثة على ما تَقَدَّم)، انتهى.
          وقال شيخنا الشارح في «فضائل القرآن»: (ووقع في «ابن التين»: «ميكائيل» بدل «إسرافيل»، والمشهور: أنَّ جبريل ابتدأه بالوحي)، انتهى، وقد قدَّمتُ كلَّ ذلك [خ¦3536]، وقدَّمتُ أيضًا في (ابتداء الوحي) ما قاله الشَّعْبيُّ، وتعقَّبتُه بكلام ابن عبد البَرِّ [خ¦2]، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (رسول الله).
[2] في (أ): (عشر)، ولعل المثبت هو الصواب.