التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب إسلام أبي بكر الصديق

          قوله: (بابُ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ☺): اعلم أنَّه اختُلِف في أوَّل الصَّحابة إسلامًا(1) بين السلف على أقوال؛ أحدها: أبو بكر الصِّدِّيقُ، وهو قولُ ابنِ عبَّاس وحسَّان بن ثابت والشَّعْبيِّ والنَّخَعيِّ في جماعةٍ آخرين، ويدلُّ له ما رواه مسلمٌ في «صحيحه» مِن حديث عَمرو بن عَبَسة في قصَّة إسلامه وقولِه للنَّبيِّ صلعم: [مَن معك على هذا؟]، قال: «حرٌّ وعبدٌ»، قال: (ومعه يومئذٍ بلالٌ وأبو بكرٍ)، وقد روى الحاكمُ في «المستدرك»: سُئل الشَّعْبيُّ: مَن أوَّل مَن أسلم؟ فاستشهد بقول حسَّان بن ثابت:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَة                     ...............
          إلى أن قال:
...............                     وَأَوَّل النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا
          والقول الثاني: أوَّلهم إسلامًا عليٌّ، رُوِيَ ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذرٍّ، والمقداد بن الأسود، وأبي أيُّوب، وأنس بن مالك، ويعلى بن مرَّة، وعُـَفيف الكنديِّ، وخُزَيمة بن ثابت، وسَلْمان الفارسيِّ، وخبَّاب بن الأرتِّ، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد، وأنشد المرزُبانيُّ لخُزَيمة بن ثابتٍ في عليٍّ ☺:
أَلَيْسَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِهِم                     وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِالفُرْقَانِ وَالسُّنَنِ؟
          وروى الحاكمُ في «المستدرك» من رواية مسلم المُلَائيِّ قال: نُبِّئ النَّبيُّ صلعم يوم الاثنين، وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء، وقال الحاكمُ في «علومه»: (لا أعلمُ خلافًا بين أصحاب التواريخ أنَّ عليًّا أوَّلُهم إسلامًا)، قال: (وإنَّما اختلفوا في بلوغِه)، قال ابنُ الصلاح: (واستُنكِر هذا من الحاكم).
          والقول الثالث: أوَّلهم إسلامًا زيدُ بنُ حارثة، ذكره مَعْمَرٌ عنِ الزُّهريِّ.
          والقول الرابع: أوَّلُهم إسلامًا(2) خديجةُ أمُّ المؤمنين، رُوِيَ ذلك عنِ ابنِ عبَّاسٍ والزُّهريِّ أيضًا، وهو قول قتادةَ ومحمَّدِ بنِ إسحاق في آخرين، وقال الشيخُ محيي الدين النَّوويُّ: (إنَّه الصوابُ عند جماعةٍ مِنَ المحقِّقين)، وادَّعى الثَّعْلَبيُّ المفسِّرُ اتِّفاقَ العلماءِ على ذلك، وأنَّ اختلافهم إنَّما هو فيمَن أسلم بعدها.
          وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (اتَّفقوا على أنَّ خديجةَ أوَّلُ مَن آمن، ثُمَّ عليٌّ بعدها)، وجمع بين الاختلاف في ذلك _بالنسبة إلى أبي بكر وعليٍّ_ بأنَّ الصحيح أنَّ أبا بكر أوَّل مَن أظهر إسلامه(3)، ثُمَّ روى عن محمَّد بن كعب القُرَظيِّ: أنَّ عليًّا أخفى إسلامه من أبي طالب، وأظهر أبو بكر إسلامه، ولذلك شُبِّه على الناس، قال أبو عمرو بن الصَّلَاح: (والأورع أن يُقال: إنَّ أوَّلَ مَن أسلم مِنَ الرِّجال الأحرار أبو بكرٍ، ومِنَ الصبيان أو الأحداث عليٌّ، ومِنَ النساءِ خديجةُ، ومِنَ الموالي زيدُ بنُ حارثةَ، ومِنَ العبيد بلالٌ، والله أعلم)، وقد قدَّمتُ كلام شيخنا العراقيِّ في أوَّل هذا التعليق في ورقة بن نوفل أنَّه أوَّلُهم [خ¦3]، والله أعلم.


[1] في (أ): (إسلامه).
[2] في (أ): (إسلامه).
[3] في (أ): (أسلم).