التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب تزويج النبي خديجة وفضلها

          (بابُ تَزْوِيجُِ النَّبِيِّ صلعم خَدِيجَةَ وَفَضْلُـِهَا)... إلى (بَاب مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلعم).
          قوله: (بابُ تَزْوِيجِ): قال الصغانيُّ _كما رأيتُه عنه في حاشية_: (كذا وقع، والصواب: تزوُّج) انتهى.
          قوله: (خَدِيجَةَ): هي أمُّ المؤمنين خديجةُ بنتُ خُوَيلد بن أَسَد بن عبد العُزَّى بن قصيِّ بن كلاب، تجتمع مع النَّبيِّ صلعم في قُصَيٍّ، أمُّها فاطمةُ بنت زائدة بن الأصمِّ من بني عامر بن لُؤيٍّ، تزوَّج بها ◙ وله خمسٌ وعشرون سنةً فيما ذكره غيرُ واحدٍ من أهل العلم، كما نقله عنهم ابنُ إسحاقَ، وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (خرج ◙ في تجارةٍ سنة خمسٍ وعشرين، وتزوَّج بها بعد ذلك بشهرين وخمسةٍ وعشرين يومًا في عقب صفر سنة ستٍّ وعشرين، وذلك بعد خمسٍ وعشرين سنةً وشهرين وعشرة أيَّام من يوم الفيل، وقال الزُّهريُّ: كانت سِنُّه ◙ يوم تزوَّج خديجة إحدى وعشرين سنةً)، قال أبو عُمَرَ: (وقال أبو بكر بنُ عثمان وغيرُه: كان يومئذٍ ابنَ ثلاثين سنةً، قالوا: وخديجةُ يومئذٍ بنت أربعين سنةً)، وقال بعضُ شيوخِ شيوخي: (قال ابنُ جُرَيج: وله سبعٌ وثلاثون سنةً، وقال البَرْقيُّ: تسع وعشرون)، وتَقَدَّم أنَّ خديجة كان لها إذ ذاك أربعون، وزاد بعضُ شيوخِ شيوخي: (وقيل: خمس وأربعون، وقيل: سبع وثلاثون، وقال البرقيُّ: تسع وعشرون).
          فالحاصل إذن من الأقوال في سِنِّه ◙ ستَّة: خمس وعشرون، أو خمس وعشرون وشهران وعشرة أيام، أو إحدى وعشرون، [أو ثلاثون]، أو تسعٌ وعشرون، أو سبعٌ وثلاثون، وفي سِنِّها أربعة: أربعون، أو خمس وأربعون، أو سبع وثلاثون، أو تسع وعشرون.
          وقيل: وُلِّي عقدها عليه ◙ خُوَيلدُ بنُ أسد، أو عمُّها عَمرُو بن أَسَد، أو أخوها عَمْرُو بن خُوَيلد؛ أقوالٌ، وأمَّا الصَّداق؛ فكان اثنتي عشرة أُوقيَّةً ونَشًّا _والأوقيَّة: أربعون [درهمًا]، والنَّشُّ: عشرون_ ويقال: أصدقها عشرين بَكْرةً، وذكر يعقوبُ بنُ سفيان في كتاب «ما روى أهلُ الكوفة مخالفًا لأهل المدينة»: أنَّ عليًّا ضمِن المهر، وهذا غلطٌ؛ لأن عليًّا إذ ذاك كان صغيرًا لم يبلغ سبعَ سنين، والله أعلم.
          وهي أمُّ / أولادِه، كلُّهم ♥ منها إلَّا إبراهيم؛ فإنَّه من مارية القِبْطِيَّة، ولم يتزوَّج ◙ قبل خديجة غيرَها ولا عليها حتَّى ماتت، وتُوُفِّيَت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وقيل: بأربع، والصَّحيحُ الأوَّلُ، وكانت وفاتُها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيَّام، ودُفِنت بالحَجُون بمكَّة، وهي أوَّل مَن أسلم فيما ذكره غيرُ واحدٍ، بل نقل الثعلبيُّ الإجماعَ عليه، والخلافُ في ذلك معروفٌ، وقال السُّهيليُّ في (فرض الصلاة): (ولم يُختَلف أنَّ خديجةَ أوَّلُ مَن آمن بالله وصدَّق رسولَه) انتهى.
          وقد تزوَّجت خديجةُ قبلَه ◙ رَجُلَين؛ الأوَّل منهما: عتيق بن عابد بن عبد الله بن عُمَرَ بن مخزوم، فولدت له جاريةً؛ وهي أمُّ محمَّد بن صيفيٍّ المخزوميِّ، ثمَّ خَلَفَ على خديجةَ بعد عتيقِ بنِ عابدٍ أبو هالةَ التميميُّ، وهو من بني أُسَيِّد بن عمرو، فولدت له هند بن هند، وسمَّى الزُّبيرُ الجاريةَ التي ولدتها منه هندًا، واسمُ أبي هالةَ هندُ بنُ زُرارة بن النبَّاش بن غُزَيِّ بن حَبيب بن صَرِد بن سلامة بن جروة بن أُسيِّد بن عمرو بن تميم.
          واختُلِف فيمن وُلِّي تزويجها منه، وقد قدَّمتُه قريبًا جدًّا، وقدَّمتُ في (مناقب فاطمة) الاختلافَ في أفضل النساء [خ¦62/29-5643]، وكلامَ ابنِ تيمية أيضًا في عائشةَ وخديجةَ، والله أعلم [خ¦62/30-5645]، ونُقِل عن شيخِنا العلَّامة البُلْقِينيِّ أنَّه كان يُفضِّل خديجةَ، ولم يتكلَّم الرافعيُّ والنَّوويُّ على الأفضل بعد خديجةَ وعائشةَ مِنَ الزوجات، وظاهرُ كلامهما أنَّهنَّ مستوياتٌ، وينبغي أن يُقال: إنَّ زينبَ بنتَ جحشٍ أفضلُ مِن بقيَّتهنَّ؛ لأنَّ اللهَ زوَّجها، وكانت تفخرُ على أزواجِه ◙ بذلك، وهي أسرعُ الزوجاتِ لحاقًا به؛ لأنَّها كانت كثيرةَ الصدقة.