التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب مناقب سعد بن معاذ

          قوله: (بابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ☺): تنبيه: إنَّما قَدَّم سعد بن معاذٍ في أوَّل الأنصار؛ لأنَّه فيهم بمنزلة الصِّدِّيق في المهاجرين، قال ابن قيِّم الجوزيَّة الحافظ شمس الدِّين في «حادي الأرواح»: (ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذٍ بخصوصيَّة ههنا، فإنَّه كان في الأنصار بمنزلة الصِّدِّيق في المهاجرين، واهتزَّ لموته العرش، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، وخُتِم له بالشهادة، وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرتِه وحُلفائه، ووافق حُكْمُه الذي حَكَمَ به [حكْمَ] الله فوق سبع سماواته، ونعاه جبريلُ إلى النَّبيِّ صلعم يوم موته، فحُقَّ له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنَّة أحسنَ من حُلَل الملوك) انتهى، ويمكن أن يُجاب أيضًا بغير ذلك، وكأنَّه أخذ تفضيله على سائر الأنصار من أشياء؛ منها: تقديم البُخاريِّ له هنا، والله أعلم، ومن مناقبه: أنَّ جنازته حضرها سبعون ألف ملَك.
          واعلم أنَّه سعد بن معاذ بن النُّعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جُشَم بن الحارث بن الخزرج [بن عمرو] بن مالك بن الأوس، الأنصاريُّ الأَوْسيُّ الأَشْهَليُّ المدنيُّ، سيِّد الأوس، بل والخزرج، كما تَقَدَّم أنَّه أفضلُ الأنصار، كنيته أبو عمرو، وأمُّه كبشة _بالموحَّدة والشين المعجمة_ بنت رافع، أسلمت، ولها صحبة، مناقبه غزيرة، توفِّي شهيدًا مِن سهمٍ أصابه، ولم يمُت حتَّى انقضى شأن بني قُريظة، فانفجر جُرحه، وفرغ صلعم من شأن بني قريظة يوم الخميس لخمس ليالٍ خلون من ذي الحجَّة، وفي الخندق خلافٌ؛ فقيل: إنَّه في شوال سنة خمس، قاله ابن إسحاق، وقال ابن سعد: (في ذي القعدة)، وقد قدَّمت [ذلك] مطوَّلًا بزيادةٍ على ما هنا [خ¦596]، ويأتي أيضًا في مكانه [خ¦4097]، والله أعلم، رماه في الخندق حِبَّان ابن العَرِقة، وقد قدَّمتُ أنَّ حِبَّان بكسر الحاء المهملة، وبالموحَّدة، وأنَّه هلك على كفره [خ¦574]، وحكى الأمير أنَّ ابن عقبة(1) ذكر في «المغازي»: جبار(2)؛ بالجيم؛ يعني: والراء، قال ابن ماكولا: (والأوَّل أصحُّ)، وهو ابن العَرِقة، وهي أمُّه فيما قاله أبو عُبيد القاسم بن سلَّام، والمشهور أنَّه بالعين المهملة المفتوحة بعدها(3) راءٌ مكسورة، ثمَّ قاف، ثمَّ تاء التأنيث، وحكى ابن ماكولا عن الواقديِّ: (أنَّها بفتح الراء)، والأوَّل أشهر، وقيل لها ذلك لطيب ريحها، واسمها قلابة _فيما قاله ابن الكلبيِّ_ بنت سُعَيد _بضمِّ السين وفتح العين المهملتين_ ابن سهم، وتكنى أمَّ فاطمة، وأمَّا حِبَّان؛ فقيل: ابن قيس، وقيل: ابن أبي قيس، وقيل: حِبَّان بن عبد مناف بن مُنقِذ(4) بن عَمرو ابن معيص بن عامر بن لؤيٍّ، وقيل: بل رماه خفاجة بن عاصم بن جبارة، ويقال: رماه أبو أسامة الجُشَميُّ حليف بني مخزوم، ولا أعلم لأحدٍ من هؤلاء إسلامًا.
          تَقَدَّم أنَّ مناقبه غزيرة؛ منها: اهتزاز العرش لموته، وأنَّ جنازته حضرها سبعون ألف ملَك، وأعظم منها حملُ النَّبيِّ صلعم جنازته، قال الشافعيُّ _كما رواه عنه البيهقيُّ_: (روينا عن النَّبيِّ صلعم: أنَّه حمل جنازة سعد بن معاذ بين العَمُودين) انتهى، وهذه منقبةٌ عظيمةٌ عظيمةٌ عظيمة، لا أعلم لغيره مثلها إن كانت ثابتة، قال شيخنا في «تخريج أحاديث الرافعيِّ»: (قال البيهقيُّ: وأشار الشافعيُّ إلى عدم ثبوته)، انتهى، إلَّا ما روى عُمر بن شبَّة في كتاب «المدينة» في وفاةِ فاطمة بنت أسد أمِّ عليِّ بن أبي طالب _صحابيَّة ♦_ حديثًا، وفيه: (أنَّه ◙ حمل)؛ يعني: نعشها، ثمَّ قال القرطبيُّ في «تذكرته»: (ورواه أبو نُعيم الحافظ عن عاصم الأحول، عن أنس بمعناه، وليس فيه السُّؤال عن تمعُّكه...) إلى آخره، انتهى؛ فيُنظَر في سند الآخِر، والله أعلم.


[1] زيد في (أ): (في).
[2] في (أ): (جبان)، والمثبت من «الإكمال».
[3] في (أ): (بعد)، ولعل المثبت هو الصواب.
[4] في (أ): (معتذر)، والمثبت من «الاستيعاب».