التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب وفود الأنصار إلى النبي بمكة وبيعة العقبة

          قوله: (بابُ وُفُودِ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلعم [بِمَكَّةَ]، وَبَيْعَةُِ الْعَقَبَةِ): تنبيهٌ: اعلم أنَّه أوَّلُ مَن قَدِمَ مِنَ الأنصار مكَّةَ اثنان؛ أسعد بن زُرارة، وذكوان بن عبد قيس، فأسلما، فلمَّا كان العام المُقبِل في رجب؛ قَدِم منهم مَن سيأتي ذكرهم.
          واعلم أنَّ الأنصار: بنو الأوس والخزرج، والأوس: الذئب، والخزرج: الريح أو الباردة منها، وقد قدَّمتُ نسبهم في مناقبهم [خ¦63-5654].
          واعلم أنَّ الله ╡ لمَّا أراد إظهار دينه، وإعزاز نبيِّه، وإنجاز موعده له؛ خرج رسولُ الله صلعم في الموسم الذي لقي فيه النفرَ من الأنصار، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدَّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام؛ وهم ستَّة من الخزرج، ثُمَّ من بني النَّجَّار؛ وهم: أسعد بن زُرارة، وعوف بن الحارث _وهو ابن عفراء_، ورافع بن مالك، وقُطْبَة بن عامر بن حَدِيدة، وعُقْبة بن عامر، وجابر بن عبد الله ابن رئاب، قال ابنُ عبد البَرِّ: (ومن أهل العلم بالسِّيَر من يجعل فيهم عبادة بن الصامت، ويسقط جابر ابن رئاب) انتهى، وقيل: كانوا ثمانية، وقيل: سبعة.
          فلمَّا كان العام المُقْبِل؛ قَدِمَ مكَّة من الأنصار اثنا عشر رجلًا؛ منهم خمسة من السِّتَّة الذين ذكرتُهم: أبو أمامة أسعد، وعوف ابن عفراء، ورافع بن مالك، وقُطْبَة، وعقبة، وبقيَّتهم: معاذ بن الحارث؛ وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور، وذكوان بن عبد قيس، وعبادة بن الصامت، والعبَّاس بن عُبادة، ويزيد ابن ثعلبة، وأبو الهيثم مالك بن التَّيِّهان، وعُوَيم بن ساعدة، وعن «الإكليل» للحاكم: (أحد عشر رجلًا)، وهو في «المستدرك» في (هجرة الحبشة) أيضًا.
          ثُمَّ خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجَّاج قومهم من أهل الشرك ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان؛ نَسِيبة بنت كعب أمُّ عُمارة، وأسماء بنت عمرو بن عديٍّ، وقيل: (كانوا سبعين رجلًا وامرأتين)، وقال الحاكم: (خمسة وسبعون نفسًا)، وهذا موافق لما تَقَدَّم من أنَّهم بالمرأتين خمسة وسبعون رجالًا ونساءً، وقال ابن عبد السلام الشيخ عزُّ الدين: (سبعون)، وقال: (إنَّها العقبة الثانية) يعني بها: هذه الثالثة.
          وقصَّة بيعتهم معروفة ذكرها أهل السِّيَر، ولولا خوف الإطالة؛ لذكرتهم مع الاختلاف في بعضهم، وقد ذكرهم أحسنَ ذِكْرٍ ابن سيِّد الناس الحافظ فتح الدين في «سيرته الكُبرى».
          فائدةٌ هي تنبيهٌ: أوَّلُ مَن بايع في هذه العقبة _وهي الثانية، وبعضهم يعدُّها ثالثة_ مُختَلَفٌ فيه؛ فبنو النجَّار يزعمون أنَّ أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أوَّل من ضرب على يد رسول الله صلعم، وبنو عبد الأشهل يقولون: بل أبو الهيثم بن التَّيِّهان، ويقال: بل البراء بن معرور، فهذه ثلاثة أقوال في أوَّل المبايعين في هذه العقبة، وقد ذكر الحاكم في «المستدرك» في (معرفة الصَّحابة) في (البراء بن معرور) من طريق ابن إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: (كان البراء بن معرور أوَّل مَن ضرب على يد رسول الله صلعم في البيعة ليلة العقبة...)؛ وذكر الحديث، قال الذَّهبيُّ في «تلخيص المستدرك»: (صحيح)، انتهى، فيه عنعنةُ ابنِ إسحاقَ، والله أعلم.