التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبناؤه بها

          قوله: (بابُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلعم عَائِشَةَ...) إلى آخر الترجمة: اعلم أنَّه اختَلَفَ العلماءُ على قولَين؛ هل تزوَّج النَّبيُّ صلعم بعد موت خديجةَ _وقد قدَّمتُ تاريخَ وفاتِها [خ¦63/20-5712]_ سودةَ بنتَ زَمعة بنِ قيس بن عبدِ شمسِ بن عبدِ وُدِّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤَيٍّ؟ وهذا هو الصحيحُ، ومن الناس من يقول: تزوَّج عائشةَ قبلَها، وهذا في «مسلم» في بابٍ بوَّب عليه المبوِّب: (باب المرأة تَهَبُ يومَها للأخرى) من كلام عائشة، قال النَّوويُّ: (كذا ذكره مسلمٌ مِن رواية يونسَ عن شَرِيك: أنَّه ◙ تزوَّج عائشة قبل سودة، وكذا ذكره يونسُ أيضًا عن الزُّهريِّ، وعن عبد الله بن محمَّد بن عَقيل، وروى عُقَيل بن خالد(1) عَنِ الزُّهريِّ: أنَّه تزوَّج سودةَ قبل عائشة، قال ابنُ عبد البَرِّ: هذا قول قتادةَ وأبي عُبَيدة)، قال النَّوويُّ: (قلت: قاله أيضًا ابنُ إسحاقَ، ومحمَّدُ بن سعدٍ كاتبُ الواقديِّ، وابنُ قُتَيبة، وآخرون)، انتهى، وقال الحافظُ أبو محمَّدٍ عبدُ المؤمن بنُ خَلَف الدِّمياطيُّ في حواشيه على «مسلم» في حديث عائشةَ هذا: (المشهورُ عند أهل السِّيَر: أنَّ سودةَ أوَّلُ نسائه بعد خديجة، وماتت خديجةُ في رمضان سنة عشرٍ، وتزوَّج سودةَ في شهر رمضان المذكور، وعائشة تزوَّجها في شوَّال بعد رمضان المذكور، وشَرِيك بن عبد الله النَّخَعيُّ راوي هذا الحديث كثيرُ الغَلَطِ والوهمِ، لا يُحتَجُّ به فيما انفرد به، ولذلك تركه البُخاريُّ، ولم يخرِّج عنه شيئًا)، انتهى، وقد علَّق لشَرِيك البُخاريُّ، وروى له مسلمٌ متابعةً، وفيه مقالٌ مذكورٌ في مكانه [خ¦1250]، ومِنَ الناس مَن يجمع، فيقول: عقد على عائشة قبل سودة، ودخل على سودة قبلها، انتهى.
          وتزوَّج ◙ عائشةَ بمكَّة في شوَّال سنة عشر مِنَ النُّبوَّة، وقيل غير ذلك، وسيأتي قريبًا [خ¦3896] مع الصحيح في المسألة؛ وهو أنَّه تزوَّج بها قبل الهجرة بسنتين(2)، قاله النَّوويُّ، والله أعلم، فلمَّا هاجر ◙ إلى المدينة؛ بعث زيدَ بن حارثة ☻ وأبا رافع إلى مكَّة يأتيان بعياله؛ سودةَ، وأمِّ كلثوم، وفاطمة، وأمِّ أيمن، وابنها أسامة بن زيد، وخرج معهم عبدُ الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر؛ أمِّ رومان وعائشةَ وأسماءَ، فقَدِموا المدينة، فأنزلهم في بيتٍ لحارثة بن النعمان ورسولُ الله صلعم يبني مسجده، فلمَّا فرغ من بنائه؛ بنى بيتًا لعائشة وبيتًا لسودة، وأعرس بعائشةَ في شوَّال على رأس ثمانية أشهر من مهاجَره، وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية عشر، وهذا اقتصر عليه ابنُ عبد البَرِّ في «استيعابه»، وما ذكرتُه أوَّلًا كلام غيرِه، وقال النَّوويُّ في أوائل «تهذيبه»: (إنَّه في الثانية)، وقال في ترجمةِ عائشةَ فيه: (إنَّه بنى بها في شوَّال سنة اثنتين، وقيل: بنى بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، وهو ضعيفٌ، وقد أوضحتُه في أوَّل «شرح البُخاريِّ»)، انتهى، وقال في «الروضة» في (السير): (إنَّه في الثانية)، وقال مغلطاي: (وبنى بعائشة على رأس تسعة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: ثمانية عشر شهرًا، في شوَّال)، انتهى.
          وقُبِض ◙ وهي بنت ثماني عشرة، ومكثت عنده تسع سنين وخمسة أشهر، ولم يتزوَّج بكرًا غيرها، يقال: إنَّها أتت منه بسقط اسمه عبد الله، ولا يثبت، وقد ذكر ابن الجوزيِّ في «موضوعاته» حديثَ إسقاطِها، ثُمَّ قال: (موضوعٌ، وداودُ بنُ المُحَبَّر يضع الحديث، وما ولدت قطُّ ولا أسقطت، وإنَّما كناها بابن أختها عبدِ الله بن الزُّبَير) انتهى، وتُوُفِّيَت ♦ _وهي أفقهُ نساء الأمة_ سنة ░58هـ▒، ودُفِنَت بالبقيع، عاشت خمسًا وستِّين سنةً ♦.


[1] في (أ): (عقيل وخالد)، والمثبت من مصدره.
[2] زيد في (أ): (ونصف)، والمثبت من كلام المصنِّف الآتي في الحديث ░3896▒، وهو الموافق لما في مصدره، لكن إن كان هجرة النبي صلعم في ربيع الأول، وزواجه من عائشة بمكة في شوال سنة عشر؛ فيكون زواجه قبل الهجرة بسنتين ونصف كما قال المصنف، فليحرر.