التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب بنيان الكعبة

          قوله: (بابُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ): اعلم أنَّ الكعبةَ بُنِيَت خمس مراتٍ؛ إحداها: بناء الملائكة قبل آدم، والثانية: بناء إبراهيم، والثالثة: بناء قريش في الجاهليَّة، وقد حضر صلعم هذا البناءَ كما في «الصحيح» [خ¦364] _وكان عمره إذ ذاك خمسًا وثلاثين سنةً، وقيل: خمسًا وعشرين سنةً، وقد تَقَدَّم بُعَيد حديث الإسراء في أوَّل (الصلاة) نَقْلُ شيخِنا عنِ ابنِ بطَّالٍ وابنِ التِّين: (خمسَ عشرةَ سنةً)، انتهى [خ¦364]، وسيأتي قريبًا ما ذكره ابنُ إسحاق في سنِّه إذ ذاك [خ¦3829]، وقد تَقَدَّم، ومثلُه تَقَدَّم عن الزُّهريِّ [خ¦364]_ والرابعة: بناء ابنِ الزُّبَير عبدِ الله، والخامسة: بناء الحَجَّاج بن يوسف الثَّقَفيِّ، وهو هذا البناء الموجود اليوم.
          وكان ارتفاعُها تسعَ أذرعٍ من عهد إسماعيل، ولم يكن لها سقفٌ، فلمَّا بَنَتْهَا قريش قبل الإسلام؛ زادوا فيها تسعَ أذرعٍ، فكانت ثماني عشرة ذراعًا، ورفعوا بابها عن الأرض، وكان لا يُصعَد إليها إلَّا في درَج أو سُلَّم، قال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم؛ ارفعوا بناء الكعبة حتَّى لا يدخل إليها حينئذٍ إلَّا من أردتم، فإن جاء أحد ممَّن تكرهونه؛ رميتم به فسقط، وصار نكالًا لمن رآه، ففعلت قريش ما قال، وأوَّل مَن عمل لها غلقًا تُبَّع، ثمَّ لمَّا بناها ابن الزُّبَير؛ زاد فيها تسع أذرع، فكانت سبعًا وعشرين ذراعًا، وعلى ذلك هي الآن، ووقع في «مسلم» في (الحجِّ) عن عطاءٍ قال: (لمَّا احترق البيتَ زمنَ يزيدَ بنِ معاوية...)، وساق الحديث إلى أن قال: (فزاد في طوله عشرة أذرع)، انتهى، والذي أعرف أنَّما زاد فيه تسعًا، قال السُّهيليُّ: (وقال الأزرقيُّ: جعل إبراهيمُ طولَ بناء الكعبة تسعَ أذرعٍ، وطولها في الأرض ثلاثين ذراعًا، وعرضُها في الأرض اثنان وعشرون ذراعًا، وكانت غيرَ مسقَّفةٍ، ثُمَّ بَنَتْها قريش في الجاهليَّة، وزادت في طولها في السماء تسعَ أذرعٍ، فصار طولها ثمانيَ عشرةَ(1) ذراعًا، ونقصوا من طولها في الأرض ستَّ أذرعٍ وشبرًا تركوها في الحجر، فلم يزل ذلك كذلك حتَّى كان زمنُ عبدِ الله بن الزُّبَير، فهَدَمها وبناها على قواعدِ إبراهيمَ، وزاد في طولها في السماء تسعَ أذرعٍ أخرى، فصار طولها في السماء سبعًا وعشرين، ثمَّ بناها الحَجَّاج، / فلم يغيِّر طولَها في السماء، والكعبةُ اليوم سبعةٌ وعشرون ذراعًا، وأمَّا عرضها؛ فبين الركن الأسود والشاميِّ خمسة وعشرون ذراعًا، وبين اليماني والغربيِّ كذلك، وبين اليماني والأسود عشرون، وبين الشاميِّ والغربيِّ أحد وعشرون ذراعًا، والله أعلم)، انتهى، وسأذكر الكلامَ على جدارِ المسجد الحرام حيث ذكره البُخاريُّ إن شاء الله تعالى [خ¦3830].
          وقال بعضهم: (وكان بناؤها في الدهر خمس مَرَّاتٍ؛ الأولى: حين بناها شِيث)، والباقي كما قدَّمتُه... إلى أن قال: (وقد قيل: إنَّه بُنِي في أيَّام جُرهم مرَّةً أو مرَّتين...) إلى أن قال: (ولم يكن ذلك بنيانًا، وإنَّما كان إصلاحًا لما وَهَى...) إلى أن قال: (وقد قيل أيضًا: إنَّ آدم هو أوَّل من بنى البيت، ذكره ابن إسحاق في غير رواية البكَّائيِّ)، انتهى.
          ورأيتُ في «مناسك الحافظ محبِّ الدين الطَّبريِّ» حين ذكر بناءَ الكعبةِ؛ ذَكَرَ فيه خلافًا في أوَّل مَن بناه على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنَّ الله ╡ وضعه لا ببناء أحد، ثمَّ ذكر في زمن وَضْعه إيَّاه على قولين، وقد استوعب ذلك، فإن أردتَه؛ فسارِعْ إليه، وفيه: أنَّ قريشًا لما أرادوا وضعَ الرُّكْنِ؛ اختلفوا فيمَن يرفعُه... إلى أن قال: (فدخل النَّبيُّ صلعم وهو غلامٌ، فحكَّموه)، وفي أوَّل هذا عن الزُّهريِّ: أنَّه لمَّا بَلَغَ ◙ الحُلُم؛ أجمرتِ امرأةٌ الكعبةَ، فطارت شَرَرةٌ...؛ فذكره، وسيأتي جمعٌ بين هذا وبين ما في «الصحيح» من كلام السُّهَيليِّ [خ¦3829].
          وفي كلام بعض الحُفَّاظ: أنَّه ◙ كان عمره إذ ذاك خمسًا وعشرين سنةً، وقد ذكرتُ ذلك قريبًا، وقد قدَّمتُ الاختلافَ في عمره أيضًا في بنيان الكعبة في (باب كراهية التعرِّي) في أوائل هذا التعليق [خ¦364].


[1] في (أ): (عشر).