التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب أيام الجاهلية

          قوله: (أَيَّامُِ الْجَاهِلِيَّةِ): تَقَدَّم [خ¦3] أنَّ (الجاهليَّة) هي ما قبل الإسلام، وفي «المطالع»: («إنَّك امرؤٌ فيك جاهليَّة» [خ¦30]، و«نذرتُ يومًا في الجاهليَّة» [خ¦2032]، و«كانت قريش تصومه في الجاهليَّة» [خ¦2002]: كلُّ ذلك كنايةٌ عمَّا كانت عليه العربُ قبلَ الإسلامِ ومبعثِ النَّبيِّ صلعم مِنَ الجهلِ باللهِ ورسولِه وبشرائعِ الدِّين، والتمسُّكِ بعبادةِ غير الله ╡...) إلى آخر كلامِه، وكذا قاله غيرُ واحدٍ مِنَ العلماء، وهذا يُؤخَذ مِن عمل البُخاريِّ، فإنَّه ذكره قبلَ (المَبْعَث)، ولم يذكر بينهما بابًا غير بابٍ يتعلَّق بالجاهليَّة؛ وهو (القَسَامة في الجاهليَّة)، وقد تَقَدَّم الكلام على قوله تعالى: {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب:33] في (الأنبياء) في (إبراهيم صلعم)، وفي أوَّل هذا التعليق في (باب المعاصي من أمر الجاهليَّة)، وعن الواحديِّ في قوله: {ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}[آل عمران:154]: زمان الفترة، وهو هو، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم» عند قول مسلم: (وهذا أبو عثمان النهديُّ وأبو رافع الصائغ، وهما ممَّن أدرك الجاهليَّة): (إنَّ معناه: كانا رَجُلَين قبلَ بعثة النَّبيِّ صلعم)، قال: (والجاهليَّة: ما قبل بعثة النَّبيِّ صلعم، سُمُّوا بذلك؛ لكثرة جهالاتهم)، وقد نازعه في ذلك شيخُنا العراقيُّ، فقال فيما قرأته عليه: (وفيما قاله نظرٌ، والظَّاهرُ أنَّ المرادَ بإدراك الجاهليَّة: إدراكُ قومِه أو غيرِهم على الكفر قبل فتح مكَّة، فإنَّ العرب بادروا بالإسلام بعد فتح مكَّة، وزال أمرُ الجاهليَّة، وخطب صلعم في الفتح بإبطال أمور الجاهليَّة إلَّا ما كان من سقاية الحاجِّ وسدانة الكعبة)، قال: (وقد ذكر مسلمٌ في «المخضرمين»: يُسير بن عمرو، وإنَّما وُلِد بعد زمن الهجرة، وكان له عند موت النَّبيِّ صلعم دون العشر سنين، فأدرك بعضَ زمنِ الجاهليَّة في قومه، والله أعلم)، انتهى، ومما يدلُّ لِمَا قاله شيخُنا ما في هذا «الصحيح» في هذا الباب منفردًا به: قال ابنُ عبَّاسٍ: (سمعتُ أبي يقولُ في الجاهليَّة: اسقِنا كأسًا دِهاقًا) [خ¦3840]، فهذا ابنُ عبَّاسٍ ☻ أطلقَ الجاهليَّةَ على زمانٍ بعد المبعث بلا خلافٍ، ومَن عرف مولدَ ابنِ عبَّاسٍ؛ عرف ذلك، والله أعلم.