التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار

          قوله: (بابُ إِخَاءِ النَّبِيِّ صلعم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ): (الإخاء) مصدرٌ هنا، واعلم أنَّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت بعد بناء المسجد، وقد قيل: إنَّ ذلك كان والمسجد يُبنى، وقال ابن عبد البَرِّ: (بعد قدومه ◙ المدينة بخمسة أشهر)، وقد قدَّمتُ ذلك [خ¦2048].
          واعلم أنَّه لم يذكر في الباب إلَّا إخاءه ◙ بين عبد الرحمن وسعد، وقد ذُكر أنَّ الطائفتين التي وقعت المؤاخاة بينهم كانوا تسعين؛ خمسة وأربعون من كلِّ فريق، ويقال: مئة؛ خمسون من كلِّ طائفة، وقد ذكر سُنيد بن داود: أنَّ زيد بن حارثة وأُسَيد بن الحُضَير أخوان، قال ابن إسحاق من جملة كلام: (وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوَين)، وأنكره الواقديُّ؛ لغيبة جعفر بالحبشة، وعند سُنيد: أنَّ المؤاخاة كانت بين ابن مسعود ومعاذ بن جبل، قال ابن إسحاق: (وأبو بكر بن أبي قُحَافة وخارجة بن زيد بن أبي زهير أخوَين، وعمر بن الخَطَّاب وعِتْبان بن مالك أخوين، وأبو عُبيدة ابن الجرَّاح وسعد بن معاذ أخوَين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوَين، والزُّبير بن العوَّام وسلمة بن سلامة بن وَقْش أخوَين، وقيل: بل الزُّبير وعبد الله بن مسعود) قال ابن سيِّد الناس أبو الفتح: (هذا كان في المؤاخاة الأُولى قبل الهجرة) انتهى، وسأذكرها، وأنَّها مُنكَرةٌ _أعني: المؤاخاة بين المهاجرين بعضِهم في بعض_ (وعثمان بن عَفَّان وأوس بن ثابت بن المنذر أخوَين، وطلحة بن عُبيد الله وكعب بن مالك أخوين، وسعيد بن زيد وأُبيُّ بن كعب أخوين، ومصعب ابن عُمير وأبو أيُّوب خالد بن زيد أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعَبَّاد بن بِشْر أخوين، وعَمَّار بن ياسر وحذيفة بن اليماني أخوين، ويقال: بل ثابت بن قيس بن الشمَّاس، وأبو ذرٍّ والمنذر بن عمرو أخوين)، وأنكره الواقديُّ؛ لغيبة أبي ذرٍّ عن المدينة، وقال: (لم يشهد بدرًا، ولا أُحُدًا، ولا الخندق، وإنَّما قدِمَ بعد ذلك)، وعنده: طُليب بن عُمير والمنذر بن عمرو أخوين، قال ابن إسحاق: (وحاطب بن أبي بَلْتَعة وعُوَيم بن ساعدة أخوين، وسلمان الفارسيُّ وأبو الدَّرْدَاء أخوين، وبلال وأبو رُوَيحة عبد الله بن عبد الرحمن الخَثْعَميُّ أخوين)، وعند سُنيد بن داود فيما حكاه ابن عبد البَرِّ: المؤاخاة بين أبي مَرْثد وعبادة بن الصامت، وبين سعد [بن أبي وقَّاص] وسعد بن معاذ، وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح _بالقاف_، وبين عتبة بن غَزْوان وأبي دُجَانة، وبين أبي سلمة بن عبد الأسد وسعد بن خيثمة، وبين عثمان بن مَظْعون وأبي الهيثم، وزاد غيره: وبين عُبيدة بن الحارث وعُمير بن الحمام، وبين الطُّفيل بن الحارث أخي عبيدة وسفيان بن نَسر _بالنون المفتوحة والسين المهملة_ ابن زيد من بني جُشَم بن الحارث بن الخزرج، وبين الحُصَين أخيهما وعبد الله بن جُبَير، وبين عثمان بن مظعون والعبَّاس بن عُبادة بن نَضْلة، وبين صفوان ابن بيضاء ورافع بن المعلَّى، وبين المقداد وابن رواحة، وبين ذي الشِّمالين ويزيد بن الحارث من بني حارثة، وبين عمير بن أبي وقَّاص وخُبَيب _بالخاء المعجمة_ بن عديٍّ، وبين عبد الله بن مظعون وقُطْبة بن عامر بن حديدة، وبين شمَّاس بن عثمان وحنظلة بن أبي عامر، وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد، وبين زيد بن الخَطَّاب ومعن بن عديٍّ، وبين عمرو بن سُرَاقة وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل، وبين عاقل _بالعين المهملة والقاف قبل اللام_ ابن البُكَيْر ومُبَشِّر بن عبد المنذر، وبين عبد الله بن مَخْرَمة وفروة بن عمرو البياضيِّ، وبين خُنَيْس _بالخاء المعجمة المضمومة، وفتح النون، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ سين مهملة_ ابن حُذَافة والمنذر بن محمَّد بن عقبة بن أُحَيحة بن الجُلَاح، وبين [أبي] سَبْرة بن أبي رُهْم(1) وعبادة بن الخَشْخَاش؛ بمُعجَمات، وبين مِسْطَح بن أُثَاثة وزيد بن المزين، وبين عُكاشة بن مِحْصن والمجذَّر بن زِياد حليف الأنصار، وبين عامر ابن فُهَيرة والحارث بن الصِّمَّة، وبين مِهْجَع(2) مولى عمر وسُراقة بن عمرو بن عطيَّة من بني غنم بن مالك بن النجَّار، كلُّ هذا المزيد عن أبي عمر، قاله غير يسيرٍ منه أبو الفتح ابن سيِّد الناس.
          فائدة: ذَكَرَ المؤاخاة بين المهاجرين بعضِهم في بعض قبل الهجرة غيرُ واحدٍ، وذكروا فيها غيرَ حديثٍ، وقد قال أبو العبَّاس ابن تيمية في مؤاخاته ◙ بين أصحابه بمكَّة: (وهو ◙ لم يؤاخِ عليًّا ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعليٍّ ومؤاخاة أبي بكر لعمر مِنَ الأكاذيب، وإنَّما آخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخِ بين مهاجريٍّ ومهاجريٍّ)، انتهى، ذَكَر / ذلك في المجلَّد الثاني من «الرَّدِّ على ابن المطهَّر الرافضيِّ» في الفصل الحادي عشر مِنَ المجلَّدة المذكورة تجزئة خمسة أجزاء.
          فإن قيل: إنَّهم قالوا: إنَّه ◙ آخى بين حمزة وزيد بن حارثة في جملة مَن آخى بينهم مِن المهاجرين، ويؤيِّده ما في «الصحيح» في اختصام زيد وجعفر وعليٍّ في ابنة حمزة _وقد اختُلِف في اسمها، وصحَّح ابن الجوزيِّ: أنَّ اسمها أمامة، وقد تَقَدَّم ذلك [خ¦2699] وسيجيء ذلك بزيادة [خ¦4251]_ فقال في ذلك زيد: (هي ابنة أخي) [خ¦2699] [خ¦4251] وأقرَّه ◙.
          فقد يجيب عنه ابن تيمية بأنَّه أخٌ بنصِّ القرآن: {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب:5]، ولهذا قال ◙ لزيد: «أنت أخونا ومولانا» في الحديثِ نفسِه [خ¦2699] [خ¦4251]، ولم يقل أحدٌ: إنَّ زيدًا آخاه النَّبيُّ صلعم.
          تنبيه: قد رأيت أحاديثَ كثيرةً ذُكِر فيها المؤاخاة؛ فلم أر شيئًا يردُّ على ابن تيمية إلَّا حديثًا واحدًا رأيتُه في «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ في آخر ترجمة ابن مسعود، وقد ساق ابن عبد البَرِّ سنده إلى أحمد بن عمرو _والظَّاهر أنَّه البَزَّار الحافظ أبو بكر_ عن محمَّد ابن سَنْجَر: حدَّثنا سعيد بن سليمان: حدَّثنا عبَّاد عن سفيان بن حُسين، عن يَعلى بن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عبَّاس ☻ قال: (آخى رسولُ الله صلعم بين الزُّبير وابن مسعود)، وهذا حديثٌ حسن _وذلك لأنَّ سفيان بن حسين مُتَكَلَّم فيه، وهو صدوقٌ مشهور، أخرج له مسلم والأربعة، وله ترجمة في «الميزان»_ فيحتاج إلى جواب، وقد أخرجه الحاكم في «مستدركه»، وقال: (صحيح)، ولم يتعقَّبه الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فلعلَّه كان بعد الهجرة، وقد يدلُّ له رواية ابن عبَّاس له، وإلَّا؛ فيكون مرسَل صحابيٍّ، والجمهور على قبوله خلافًا لأبي إسحاق الإسفراينيِّ وطائفةٍ يسيرة، والله أعلم.


[1] في (أ): (زهير)، والمثبت من «الدرر» و«عيون الأثر».
[2] في (أ): (مهج)، والمثبت من «الدرر» و«عيون الأثر».