التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا

          1303- قوله: (حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ؛ وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ): هو بحاء مهملة مفتوحة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت مُشدَّدة، وهو قريش بن حَيَّان، أبو بكر العجليُّ، عنِ ابنِ سيرين، وثابتٍ، وجمْعٍ، وعنه: الأوزاعيُّ مع تقدُّمه، وابنُ وَهْبٍ، ووكيعٌ، وأبو عاصم، ويحيى بن حسَّان، وآخرون، قال أحمدُ: (لا بأسَ به، كان بالأهواز)، وقال ابنُ مَعِين والنَّسائيُّ: (ثقة)، أخرج له البخاريُّ وأبو داود.
          قوله: (عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ): (القَيْن): بفتح القاف، ثمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ نون، و(القَيْن): الحدَّاد، و(أبو سَيْف): هو زوج أمِّ سَيف ظئْرِ إبراهيمَ بنِ النَّبيِّ صلعم، قال القاضي عياض في «شرح مسلم»: (اسمه البراء)(1)، وسمَّاه شيخُنا الشَّارحُ: (البراء بن أوس)، صحابيٌّ، وما قاله القاضي وشيخُنا سبقهما إليه ابنُ عبد البَرِّ في «استيعابه»، فإنَّه قال: (البراء بن أوس بن خالد بن الجَعْد بن عوف بن مبذول بن عَمرو بن غَنْم بن(2) مازن بن النَّجَّار، وهو أبو إبراهيمَ بنِ النَّبيِّ صلعم من الرَّضاع؛ لأنَّ زوجتَه أمَّ بُردةَ أرضعته بلبنه) انتهى.
          قوله: (وَكَانَ ظِئْرًا(3)): هو بالظَّاء المعجمة، ثمَّ همزة ساكنة، زوج المرضعة، و(الظئْر): المرضعة، وأصله: العطف(4) للنَّاقة على غير ولدها تُرضِعه.
          تنبيهٌ: أمُّ سَيف زوجُ أبي سَيف لها ذكرٌ في حديثٍ لثابتٍ عن أنس، ذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده»، وسمَّاها عياض: (خولة بنت المنذر)(5)، قال الذَّهبيُّ: (خولة بنت المنذر بن زيد مرضعةُ إبراهيمَ بنِ النَّبيِّ صلعم، ذكرها العدويُّ)، وفي «سيرة ابن سيِّد الناس» عن أبي إسحاق ابن الأمين أنَّه استدرك على أبي عمر ابن عبد البرِّ خولةَ هذه، وقال: (إنَّها أرضعتِ النَّبيَّ صلعم)؛ فاعلمه، وفي كلام أبي عُمر في «الاستيعاب» في ترجمة البراء بن أوس: أنَّ التي أرضعت إبراهيمَ أمُّ بردة، وهي أمُّ بردة بنت المنذر بن زيد، قال الذَّهبيُّ: (يقال: أرضعت إبراهيمَ بنَ رسولِ الله صلعم، وهي خولةُ)، / انتهى، وقد ذكر ابن شيخِنا البلقينيِّ الحديثَ، وقال: (يقال: هي أمُّ سيف زوجةُ أبي سيف القَيْن(6)، وقيل: هي أمُّ بردة بنت المنذر بن زيد بن لَبِيد الأنصاريَّة)، ثمَّ قال: ([قال أبو موسى]: والمشهورُ أنَّ التي أرضعته(7): أمُّ سيف، ولعلَّهما كانتا جميعًا أرضعتاه في وقتين، وهو الصحيح)، ثمَّ ذكر غلطًا لبعض الشُّرَّاح في كونه جعلهما واحدةً، قال: (وقد وقع ذلك في «تهذيب النَّوويِّ» في «المبهمات»، فقال: «مرضعة إبراهيمَ بنِ النَّبيِّ صلعم هي أمُّ سَيف، ويقال لها أيضًا: أمُّ بردة، واسمُها خولةُ بنت المنذر الأنصاريَّة، ذكرها عياضٌ»؛ فليُتأمَّل) انتهى، وقد رأيتُ في «تهذيب النَّوويِّ» ما ذكره عنه، والله أعلم.
          قوله: (يَجُودُ بِنَفْسِهِ): أي: يسوق للموت، وفلان يُجادُ للحتف؛ أي: يُساق إليه.
          قوله: (تَذْرِفَانِ): هو بفتح المُثَنَّاة فوق، ثمَّ ذال معجمة ساكنة، ثمَّ راء مكسورة، ذَرَفَتْ عينُه تذرِف؛ إذا انصبَّ دمعُها ذَرْفًا، وذَرَفَانًا(8)، وذُرُوفًا، وقيل: الذروف: دمعٌ بغير بكاء.
          قوله: (فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!...) إلى آخره: قال ابن قيِّم الجوزيَّة: (وسنَّ _أي: النَّبيُّ صلعم_ لأمَّته الحمدَ، والاسترجاع، والرِّضا عن الله، ولم يكن ذلك منافيًا لدَمْعِ العين وحُزْنِ القلب، ولهذا كان أرضى الخلقِ عن الله ╡ في قضائه، وأعظمَهم له حمدًا، وبكى مع ذلك يوم مات ابنُه إبراهيمُ؛ رأفةً منه، ورحمةً للولد، ورِقَّةً عليه، والقلبُ مُمتلِئ(9) بالرِّضا عن الله وشكره، واللِّسان مشغول(10) بحمده وذكره، ولمَّا(11) ضاق هذا المشهدُ والجمعُ بين الأمرين على بعض العارفين يوم مات ولدُه؛ جعل يضحك، فقيل له: تضحك في هذه الحال؟! فقال: «إنَّ الله تعالى قضى بقضاءٍ، فأحببت أن أرضى بقضائه»، فأشكلَ هذا على جماعةٍ من أهل العلم، وقالوا: كيف يبكي رسول الله صلعم يوم مات ابنُه، وهو أرضى الخلقِ عن الله تعالى ويبلغُ الرِّضا بهذا العارف إلى أن ضحك؟! فسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة _يعني: شيخه أبا العبَّاس ☼_ يقول: هدْيُ نبيِّنا صلعم كان أكملَ من هدْيِ هذا(12) العارف، فإنَّه أعطى العبوديَّة حقَّها، فاتَّسع قلبه للرِّضا عن الله، ورحمةِ الولد، والرِّقَّةِ عليه، فحمدَ اللهَ، ورضيَ عنه في قضائه، وبكى رحمةً ورقَّةً، فحملته الرَّحمةُ على البكاء، وعبوديَّتُه لله ومحبَّتُه له على الرِّضا والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين، ولم يتَّسع باطِنُهُ لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبوديَّة الرِّضا عن عبوديَّة الرَّحمة والرِّقَّة)، انتهى.
          تنبيهٌ هو فائدةٌ: اعلم أنَّه اختلفت الآثارُ في الصَّلاة على إبراهيم ☺؛ فمنهم(13) مَن أثبت(14) الصَّلاةَ عليه، قالوا: والمراسيلُ مع حديث البراء، ومع حديث أنس _وهو في «مسند أبي يعلى»، وهو ضعيف_؛ يشدُّ بعضُها بعضًا، ومنهم: مَن ضعَّف حديثَ البراء بجابر الجعفيِّ والمراسيلَ، وقال: حديث ابن إسحاق أصحُّ؛ يعني: في أنَّه لم يصلِّ عليه، ثمَّ اختلف هؤلاء في السَّبب الذي لأجله لم يُصلِّ عليه؛ فقالت طائفةٌ: استغنى بنبوَّة النَّبيِّ صلعم عن الصَّلاة عليه؛ كما استغنى الشَّهيد بالشَّهادة عن الصَّلاة عليه، [وقالت طائفة أخرى: إنَّه مات يوم كُسِفتِ الشَّمس، فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصَّلاة عليه](15)، وقالت فرقة: لا(16) تعارُضَ بين هذه الآثار، فإنَّه أمر بالصَّلاة عليه، فقيل: صُلِّي عليه، ولم يباشرها بنفسه؛ لاشتغاله بالكسوف، وقيل: لم يُصَلَّ عليه، وقالت طائفة: رواية المُثبِت أولى؛ لأنَّ(17) معه زيادةَ علم، وإذا تعارض النَّفْيُ والإثباتُ؛ قُدِّم الإثباتُ، والله أعلم.
          فائدةٌ: تقدَّم أنَّ إبراهيم هذا أمُّه مارية القبطيَّة _بتخفيف ياء «مارية»_ ولدته في ذي الحجَّة، سنة ثمانٍ من الهجرة، وتُوُفِّيَ سنة عشرٍ [خ¦16/1-1649]، ثبت في «البخاريِّ»: (أنَّه تُوُفِّيَ وله سبعةَ عشرَ شهرًا، أو ثمانيةَ عشرَ شهرًا)، كذا على الشَّكِّ، وقيل: ستَّةَ عشرَ شهرًا، وقيل: سنتان غير شهرين، وأغربُ ما فيه ما جاء في «أبي داود»: (مات وله سبعون يومًا)، قال ابن قيِّم الجوزيَّة: (وهو وَهَمٌ مِن عطاء)، انتهى(18)، وحكى المُحبُّ الطَّبريُّ من جملة ما حكاه: (أنَّه كان عمره سنةً وعشرةَ أشهر وستَّة أيَّام)، قال: (والأوَّل أشهر)؛ يعني: ثمانيةَ عشرَ شهرًا، انتهى.
          قوله: (رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ...) إلى آخره: (موسى) هذا: هو موسى بن إسماعيل التَّبُوذكيُّ الحافظ، تقدَّم الكلام عليه مُتَرْجَمًا، وعلى نسبته [خ¦63]، وقد روى عنه: البخاريُّ وأبو داود، فهذا شيخُه، والظَّاهر أنَّ قولَه: (ورواه فلانٌ) وفلانٌ(19) المسندُ إليه الرِّوايةُ شيخُه _كهذا_؛ حكمُه حُكْم: (قال فلان)، و(زاد فلان)، وقد ذكرت أنَّ حكمَهما حكمُ الإسناد المُعنعَن، وحكمُه الاتِّصال(20) بشرط ثبوت اللِّقاء، والسَّلامة من التدليس، واللِّقاءُ في شيوخ البخاريِّ معروفٌ، وهو سالمٌ من التَّدليس، فله حكم الاتِّصال كما قدَّمتُ، وأنَّه كذلك جزم به ابنُ الصلاح في الرابع من التفريعات التي تلي النوع الحادي عشر، والله أعلم، ويكون أخذه عنه في حال المذاكرة كما تقدَّم [خ¦142].
          ورواية سليمان هذه(21) أخرجها مسلمٌ في (فضائل النَّبيِّ صلعم) عن شيبان بن فرُّوخ وهُدْبَة ابن خالد(22)، عن سليمان بن المغيرة، وأخرجها أبو داود في (الجنائز) عن شيبان بن فرُّوخ، عن سليمان بن المغيرة به.


[1] «إكمال المُعْلِم» ░7/281▒.
[2] (بن): سقط من (ب).
[3] في (ب): (ظئر)، وليس بصحيح.
[4] في (ب): (العلف)، وهو تحريف.
[5] «إكمال المُعْلِم» ░7/281▒.
[6] (القين): سقط في (ب).
[7] في (ب): (أرضعت).
[8] في (أ): (وذرافانًا)، وفي (ب): (وذرافًا)، والمثبت من (ج) موافق لمصدره.
[9] في (ب): (تمتنع)، وليس بصحيح.
[10] في (ج): (شغول).
[11] في (ب): (لما).
[12] (هذا): سقط من (ب).
[13] في (ب): (ففيهم).
[14] في (ب): (أحب).
[15] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[16] في (ج): (ولا).
[17] في (ب): (لأنه)، وليس بصحيح.
[18] (انتهى): سقط من (ب)، وانظر «زاد المعاد» ░1/495▒.
[19] في (ج): (وقال فلان)، وزيد في النسخ وهو في (أ) مستدرك: (إذا كان)، ولعلَّ حذفها هو الصواب.
[20] في (ب): (المعنعن وكلمة الإيصال)، وليس بصحيح.
[21] في (أ) و(ب): (هذا).
[22] زيد في (ج): (هو)، ثمَّ زيد في النسخ: (كلاهما عن موسى بن إسماعيل)، وليس بصحيح، وقد أخرجَ روايةَ موسى بن إسماعيل البيهقيُّ في «دلائل النبوَّة» ░5/429-430▒، وانظر «تغليق التعليق» ░2/472▒.