التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما قيل في أولاد المسلمين

          قوله: (بَابُ مَا قِيلَ في أَوْلادِ المُسْلِمِينَ): إن قلت: بوَّب البخاريُّ على أولاد المسلمين، ولم يذكر فيهم شيئًا؟ فالجواب: أنَّه أخرج: (رحمة لآبائهم)، وإذا كان كذلك؛ فالأبناء بالرَّحمة أخصُّ، والله أعلم.
          ثمَّ اعلم أنَّه أجمعَ مَن يُعتَدُّ به(1) من علماء المسلمين _كما قاله النَّوويُّ وكذا ابن عبد البرِّ، كما سيأتي قريبًا_ على أنَّ مَن مات مِن أطفال المسلمين؛ فهو في الجنَّة؛ لأنَّه ليس مُكلَّفًا، وتوقَّف فيهم بعضُ مَن لا يُعتَدُّ به؛ لحديث عائشة ♦: تُوُفِّيَ صبيٌّ من الأنصار، فقالت: طوبى له! عصفور من عصافير الجنَّة لم يعملِ السُّوء، ولم يدركه، قال: «أَوْ غير ذلك يا عائشة، إنَّ الله خلق للجنَّة أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنَّار أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم»، أخرجه مسلم، وأجاب عنه العلماء: بأنَّه لعلَّه نهاها عن المسارعة إلى القطع مِن غير أن يكون عندها دليلٌ قاطعٌ، كما أنكر على سعد بن أبي وقَّاص في قوله: أعطِه(2)؛ إنِّي لأراه مؤمنًا، قال: «أوْ مسلمًا» [خ¦27]...؛ الحديث، ويحتمل أنَّه ╕ قال هذا قبل أن يعلم أنَّ أطفال المسلمين في الجنَّة، فلمَّا عَلِمَ؛ قال ذلك، كما في قوله: «ما من مُسلمٍ يموت له ثلاثةٌ من الولد لم يَبلغوا الحِنْثَ...»؛ الحديث، وغير ذلك من الأحاديث، والله أعلم.
          أمَّا أطفال الأنبياء؛ فالإجماع قائم على أنَّهم في الجنَّة [كما حكاه أبو عبد الله المازريُّ]، والذي توقَّف إنَّما توقَّف في أطفال المسلمين غيرِهم.
          وأمَّا أطفال المشركين؛ فسيأتي فيهم عشرة أقوال للعلماء في الباب الذي بعد هذا [خ¦1383].
          قال ابن عبد البرِّ: (الجمهور من العلماء: على أنَّ أطفال المسلمين في الجنَّة، وقد ذهبت(3) طائفةٌ من العلماء إلى الوقف في أطفال المسلمين وأولاد المشركين؛ أيكونون في جنَّة أو نار؟ منهم: حمَّاد بن سلمة، وابن المبارك، وابن راهويه؛ لحديث أبي هريرة: سُئِل رسول الله صلعم عن الأطفال، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»، هكذا قال: الأطفال، ولم يخصَّ طفلًا من طفل).
          قال الحليميُّ في «المنهاج»: (وقد توقَّف في ولدان المسلمين مَن توقَّف في ولدان المشركين...) إلى آخر كلامه، ثمَّ أجاب عن حديث: (عصفور من عصافير الجنَّة) بثلاثة احتمالاتٍ... إلى أن قال: (فثبت بذلك أنَّ ذراري المسلمين في الجنَّة)، ذكر ذلك القرطبيُّ عنه في «التَّذكرة»... إلى أن ذكر عن أبي عمر: (أنَّهم في الجنَّة، وأنَّه / إجماعٌ من العلماء)، قال: (ولم يخالف في ذلك إلَّا فرقةٌ شذَّت، وهو قول مهجور بإجماع الحجَّة...) إلى آخر كلامه، والله أعلم.
          تنبيهٌ: أطال الإمام القرطبيُّ في «التَّذكرة» في أواخر (أبواب الجنَّة) في الكلام على الأطفال من المسلمين والكفَّار، وذكر فيه أحاديثَ مِن الجانبين كثيرةً، وكلامَ النَّاس في ذلك، وحطَّ آخِرًا على أنَّ أطفال المسلمين في الجنَّة، وكذا أطفالُ الكفَّار، وهو كلام حسنٌ مليحٌ مُطَوَّلٌ، وفيه فوائدُ، فإن أردته؛ فانظره(4).
          قوله: (لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ): هو بالحاء المهملة(5) المكسورة، الإثم؛ أي: ماتوا قبل بلوغهم سنَّ التَّكليف، وذكر الدَّاوديُّ: أنَّه يُروى: (لم(6) يبلغوا الخُبْث) _بالخاء المعجمة_؛ وهو فعل المعاصي، وهذا لا يُعرَف، وقد تقدَّم [خ¦102].
          قوله: (إِلَّا كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ): (حجابًا): مَنْصوبٌ على أنَّه خبر (كان)، واسمها: موتُهم أو نحوه.


[1] زيد في (ب): (من يعتد به)، وهو تكرار.
[2] زيد في (ج): (قوله أعطه).
[3] في (ب): (ذهب).
[4] هذا التنبيه سقط من (ج)، وانظر «التذكرة» ░551-560▒.
[5] (المهملة): ليس في (ب).
[6] في (ب): (لن)، وليس بصحيح.