التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر

          قوله: (بَابُ دَفْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ): اعلم أنَّهم اختلفوا في دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، فكرهه الحسن البصريُّ، وأجازه غير واحدٍ من أهل العلم، فقالوا: لا بأس أن يُدفَنَ الرجل والمرأة في القبر الواحد، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشَّافعيِّ، وأحمد، وإسحاق، غير أنَّ الشَّافعيَّ وأحمدَ قالا: ذلك موضع الضَّرورات كأن يكثر القتلى أو(1) الموتى في وباء، أو هدم، وغيرهما، وعسرَ إفرادُ كلِّ ميِّتٍ بقبرٍ، فيُدفَنُ الاثنان والثلاثة في قبر؛ كقتلى أُحُد، فيُقدَّم أفضلُهما إلى القبلة؛ للاتِّباع، فيُقدَّم الرَّجلُ، ثمَّ الصَّبيُّ، ثمَّ الخنثى، ثمَّ المرأة، ويقدَّم الأبُ على الابن، والأمُّ على البنت دون الابن.
          وقول المصنِّفين: (لا يُدفَن)؛ أي: لا يُستحبُّ، صرَّح به الرَّافعيُّ وغيرُه، وصرَّح السَّرخسيُّ: بأنَّه لا يجوز، وفي «شرح المُهذَّب» للنَّوويِّ: (لا يجوز أن يُدفَنَ رجلان أو امرأتان في قبرٍ واحدٍ مِن غير(2) ضرورةٍ،) انتهى، ومحلُّه فيما إذا لم يكن ذلك(3) في وقتٍ واحدٍ، أمَّا في وقتين؛ فإنَّه لا يجوز حتَّى يَبْلى الأوَّل بحيث لا يبقى منه شيء؛ لا لحم ولا عظم، نقله النَّوويُّ في «شرح المُهذَّب» عن الأصحاب، قال: (وقول الرَّافعيِّ: المُستحبُّ في حال الاختيار أن يُدفَن كلُّ إنسان في قبرٍ؛ فمُؤَوَّل على موافقتهم) انتهى، وسُئِل الحَنَّاطِيُّ عن ذلك في «الفتاوى»: (هل يجوز أن يدفن ميِّتٌ في قبر ميِّتٍ آخرَ بعدما بَليَ الأوَّل وصار ترابًا، ومضى دهرٌ طويلٌ؟ فأجاب: بأنَّ الأظهر جوازُه إذا وُجِد موضعٌ آخرُ لدفن الثَّاني فيه) انتهى، وقال ابن الصَّبَّاغ وغيره: (لا يجوز الجمع(4) بين الرجال والنساء إلَّا عند تأكُّد الضَّرورة، إلَّا إذا كان بينهما زوجيَّة أو محرميَّة؛ فلا مَنْعَ)، ويُجعَل بين الميِّتَين حاجزٌ من تراب.


[1] في (ج): (والموتى).
[2] في (ب): (غيره)، وليس بصحيح.
[3] زيد في (ب): (إلا).
[4] في (أ): (لا يجوز لا يجمع)، وسقط (يجمع) من (ج).