التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما يكره من النياحة على الميت

          قوله: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ): كذا قال: (يُكرَه)، وهو مُحرَّم بالإجماع، ولكنِ الأقدمون يُعبِّرون بالكراهة، ويريدون: التَّحريم، وقد استعمل هذا البخاريُّ في أماكنَ كثيرةٍ من هذا «الصحيح» ستمرُّ بك، وقال الله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}[الإسراء:38].
          قوله: (دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ): (أبو سليمان) هذا: هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مُرَّةَ بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ المخزوميُّ، صحابيٌّ جليل، صاحب حروب، وكانت وفاته سنة إحدى وعشرين بحمص، وقبرُه مشهورٌ خارجَها، زرتُه مرارًا، ☺، وقيل: تُوُفِّيَ بالمدينة المُشرَّفة، قاله أبو زُرْعة عن دحيم، والأوَّل الصَّحيحُ، أحواله مشهورة، وكذا فتوحاته، أسلم في صفر(1) سنة ثمانٍ قبل الفتح على الصَّحيح.
          قوله: (مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ): هو بفتح النُّون، ثمَّ بالقاف السَّاكنة، ثمَّ عين مهملة، وهو (التُّرَاب)، كما فسَّره في الأصل، وقيل: هو الصَّوت بالبكاء، وقيل: صوت لطم الخدود ونحوِه، وقيل: هو شقُّ الجيوب، وأنكره أبو عبيد، والنَّقع: الصَّوت، والنَّقع: الغبار، فيخرج من هذا معنى التَّفاسير كلِّها؛ لأنَّ لِلَدْمِ الخدودِ وشقِّ الجيوب صوتًا، وقال الكسائيُّ: هو صنعة الطَّعام في المآتم، وأنكره أبو عبيد، وإنَّما النَّقيعة: طعام القادم من السَّفر، قيل: سُمِّي للنَّقع، وهو الذي يتعلَّق بثيابه في سفره، قاله(2) ابن قُرقُول، ووَهِمَ فيه على البخاريِّ، فحذفتُ وَهَمَه، والله أعلم.
          قوله: (أَوْ لَقْلَقَةٌ): هو _بلامَين مفتوحتَين، وقافين؛ الأولى ساكنة والثَّانية مفتوحة_: (الصَّوْتُ)، كذا فسَّره في الأصل، واللَّقلقة: حكاية الأصوات إذا كثرت(3)، واللَّقْلَق: اللِّسان؛ كأنَّه يريد: تردُّدَ اللِّسان بالصَّوت عند البكاء.
          فإن قلت: كيف عمر نهى صهيبًا فيما مضى [خ¦1287]، ولم ينه هنا؟ والجواب: أنَّ صُهَيبًا بكى على عُمر بندبٍ وصياحٍ، فقال: (وا صاحباه!)، فنهاه لأجل ذلك، والله أعلم.


[1] (في صفر): سقط من (ب).
[2] في (ب): (قال)، وهو تحريف.
[3] في (ب): (الأصوات أو الثرب)، وهو تحريفٌ.