التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت

          1280- قوله: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه عبدُ الله بن الزُّبير، وهو أوَّل شيخٍ روى عنه البخاريُّ في هذا «الصَّحيح»، وقد تقدَّم مُتَرْجَمًا [خ¦1].
          قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيانُ): هذا هو ابن عُيَينة، الإمامُ المكِّيُّ، تقدَّم مُتَرْجَمًا [خ¦1].
          قوله: (نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ): تقدَّم أنَّه يقال: (نعْيُ) و(نَعِيٌّ)؛ لُغَتان [خ¦1245].
          قوله: (أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ): أمَّا (أبو سفيان) فهو صخرُ بنُ حَرْبِ بن أُمَيَّةَ بنِ عبدِ شمس بن عبد مناف، تقدَّم الكلامُ عليه في حديث هرقل أوَّلَ هذا التعليق [خ¦7]، وهو حموُ النَّبيِّ صلعم، وفي مكان وفاته قولان، كذا في حفظي، ولم أرَ الآن إلَّا أنَّه تُوُفِّيَ بالمدينة المُشرَّفة، وهنا: (من الشَّأم)، وصلَّى عليه ابنُه معاويةُ، هذا ينبغي أن يكون على القول: (بالشَّام)، وقيل: بل صلَّى عليه عثمانُ بموضع الجنائز، ودُفِن بالبقيع، هذا على أنَّه بالمدينة، أسلم ليلةَ يوم الفتح بطريق مكَّة، وشهد حُنَينًا، وأعطاه ╕ مئة بعير، وأربعين أوقيَّة، وشهد الطَّائف، وفُقِئَت عينُه يومئذٍ، وشهِد اليرموك، كان أوَّلًا من المُؤلَّفة، ثمَّ حسُن إسلامه، نزل المدينة، وتُوُفِّيَ بالشَّام [أو بالمدينة؛ قولان تقدَّما](1) وهو ابن ثمانٍ وثمانين سنةً، وهو والدُ يزيدَ، ومعاويةَ، وأمِّ حبيبة، وإخوتِهم، وقال بعض حُفَّاظ العصر: (المعروف: «نعي يزيد بن أبي سفيان»، فلعلَّه كان فيه: «نعي ابن أبي سفيان»، فسقطت(2) «ابن»، وأمَّا أبو سفيان(3)؛ فمات بالمدينة بلا خلاف بين أهل الأخبار، وابنُه يزيدُ ماتَ على الشام أميرًا) انتهى(4).
          تنبيهٌ: قال شيخُنا في (بَاب: تحدُّ المُتوَفَّى عنها زوجُها أربعةَ أشهرٍ وعشرًا) ما لفظه: (قالت زينب: «دخلت على أمِّ حبيبة حين تُوُفِّيَ أبوها أبو سفيان»، لمسلم في حديث بنت أمِّ سلمة قالت: «تُوُفِّيَ حميمٌ لأمِّ حبيبةَ»، كذا في رواية الجُلُوديِّ وغيرِه، وهو الصَّواب، ووقع في نسخة ابنِ الحذَّاء: «حميمٌ لأمِّ سلمة» مكان «أمِّ حبيبة»)، انتهى، وهذا هو في كلام ابنِ قُرقُول سبقه لذلك، والظَّاهر: أنَّه أخذه منه أو من «المشارق»، وبعد أن ذكر الوهم ابنُ قُرقُول، قال: (والحميم: أبوها أبو سفيان) انتهى، وسيأتي قريبًا جدًّا تاريخُ وفاةِ أبي سفيان.
          و(أمُّ حبيبة): اسمها رملةُ بنت أبي سفيان، أمُّ المؤمنين، هاجرت إلى الحبشة، فهلك زوجها، فزوَّجها النَّجاشيُّ رسولَ الله صلعم، وأمُّها صفيَّة بنت أبي العاصي بن أميَّة، عمَّة عثمان(5)، عنها: أخواها معاويةُ وعنبسةُ، وعروة، تُوُفِّيَت سنة ░44هـ▒، روى لها الجماعة، وقد تقدَّمت(6) [خ¦427].
          قوله: (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّي أَخُوهَا): هذا (الأخ): لعلَّه أبو أحمد بن جحش، واسمه: عبْد، وقيل: عبد الله، وليس بشيءٍ، وقيل: اسمهُ ثمامةُ، حكاه السُّهيليُّ، لكن عَكِّرَ عليَّ(7): أنَّ هذا تُوُفِّيَ بعد العشرين، وقد صرَّح بعضُ الحُفَّاظ بأنَّه تُوُفِّيَ بعد أختِه زينبَ، وفي وفاتها قولان: المشهور الذي عليه الجمهور: أنَّها في سنة عشرين، وقال خليفةُ بن خيَّاط: (سنة إحدى وعشرين).
          وأولاد جحشٍ الذُّكور: عبد الله، قُتِل يوم أحد، والظاهر: أنَّ هذا ليس مرادًا هنا(8)، وذلك لأنَّ زينبَ قالت فيه: (ثمَّ دخلتُ على زينبَ بنتِ جحش)، ودخولُها على زينبَ كان بعد دخولها على أمِّ حبيبة حين جاء نعيُ أبي سفيان صخرِ بن حرب أبيها، وأبو(9) سفيان تُوُفِّيَ(10) لتسعٍ مضين من خلافة عثمان ☻، قاله الهيثم بن عَديٍّ، وقال خليفةُ والواقديُّ: (تُوُفِّيَ سنة إحدى وثلاثين)، وقال ابنُ سَعْدٍ وجماعةٌ: (تُوُفِّيَ سنة اثنتين وثلاثين)، وقال المدائنيُّ: (سنة أربع وثلاثين)، وأمَّا أبو أحمد عبْدٌ؛ فقد ذكرت لك وفاتَه، ويُعكِّر أيضًا على القول بأنَّه أبو أحمد عطفُها قصَّةَ زينب بنت جحش على قصَّة أمِّ حبيبة بـ(ثُمَّ)، وأمُّ حبيبة تقدَّمت وفاة أبيها، وأنَّها في السنة الحادية والثلاثين، أو أكثر من ذلك، وهذا قالوا: تُوُفِّيَ بعد العشرين، وهذه العبارة لا تُقال فيمن عاش بعد العشرين كثيرًا، وعبيد الله بن جحش: تنصَّر بالحبشة، وهلك زمن عمر رضي الله عن عمر، فالله(11) أعلم مَن كان هذا، وفي أيِّ وقت.
          ويحتمل أنَّه أخٌ من الرَّضاعة، ويحتمل أنَّ (ثمَّ) ليست للتَّرتيب، وإنَّما هي لعطف جملة على جملة، وقد وقع مثلُه في القرآن والشعر وإن كان قد أُجِيب عنهما، وهذا لا يستقيم على أنَّ أبا أحمد تُوُفِّيَ بعد زينب، وقد قدَّمتُ ما قيل في التَّوهيم(12)، وهذا لم أرَ مَن ذَكَرَه، ولا مَن عرَّج عليه، وهو مكان يحتاج إلى حلِّه على مستقيم.
          قوله: (كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً): (غنيَّةً): مَنْصوبٌ منوَّن، خبر (كان)، واللَّام للتَّأكيد، وهذا ظاهرٌ.


[1] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[2] في (ب) ومصدره: (فسقط).
[3] في (ب): (لسفيان).
[4] زيد في (ب): (وقوله: بلا خلاف تقدَّم ما يخالفه)، وضرب عليها في (أ)، «هدى الساري» (ص284▒، لكن قال الحافظ في «الفتح» ░3/175-176▒: (في قوله: «من الشام» نظرٌ.... ولم أرَ في شيءٍ من طرق هذا الحديث تقييدَه بذلك إلَّا في رواية سفيان بن عُيَينة هذه، وأظنُّها وهمًا، وكنتُ أظنُّ أنَّه حذف منه لفظ: «ابن»؛ لأنَّ الذي جاء نعيُه من الشام وأمُّ حبيبة في الحياة هو أخوها يزيدُ بن أبي سفيان الذي كان أميرًا على الشام، لكن رواه المصنِّف في «العِدَد» من طريق مالك [ح5334] ومن طريق سفيان الثوريِّ [ح5345]؛ كلاهما عن عبد الله بن أبي بكر ابن حزم، عن حميد بن نافع بلفظ: «حين تُوُفِّيَ عنها أبوها أبو سفيان بن حرب»، فظهر أنَّه لم يسقط منه شيءٌ، ولم يقل فيه واحدٌ منهما: «من الشام»، وكذا أخرجه ابنُ سَعْد في ترجمة أمِّ حبيبة من طريق صفية بنت أبي عبيد عنها [«الطبقات الكبرى» ░10/97▒ ░4961▒]، ثمَّ وجدتُ الحديثَ في «مسند ابن أبي شيبة» قال: حدَّثنا وكيعٌ: حدَّثنا شعبةُ، عن حميد بن نافع ولفظه: «جاء نعيُ أخي أمِّ حبيبة -أو حميمٍ لها-، فدعت بصفرة فلطخت به ذراعَيها»، وكذا رواه الدارميُّ عن هاشم بن القاسم، عن شعبة، لكن بلفظ: «أنَّ أخًا لأمِّ حبيبة مات أو حميمًا لها» [«مسند الدارمي» ░2330▒]، ورواه أحمدُ عن حجَّاج ومحمَّد بن جعفر، جميعًا عن شعبة بلفظ: «أنَّ حميمًا لها مات»، من غير تردُّد [«مسند أحمد» ░6/326▒]، وإطلاقُ «الحميم» على الأخِ أقربُ من إطلاقه على الأب، فقوي الظنُّ عند هذا أن تكون القصَّةُ تعدَّدت لزينب مع أمِّ حبيبة عند وفاة أخيها يزيد، ثمَّ عند وفاة أبيها أبي سفيان، لا مانعَ من ذلك).
[5] زيد في (ب): (☺).
[6] في (ب): (قدَّمتُ).
[7] في (ب): (عليه).
[8] في (ج): (مرادها).
[9] في (ب): (وابن)، وليس بصحيح.
[10] (تُوُفِّيَ): ليس في (ب).
[11] في (ب): (والله).
[12] في (ب): (التوهم).