التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الاعتكاف في شوال

          ░14▒ بَابُ الِاعْتِكَافِ فِي شَوَّالٍ
          2041- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ عَائِشَةَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ، فَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ) الحديثَ، وفي آخِرِهِ: (فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ).
          وقَدْ سَلَفَ ذَلِكَ، والاعتِكَافُ فِي شوَّالٍ وسَائِرِ السَّنَةِ مُبَاحٌ لِمَنْ أَرَادَهُ، وهُوَ يُوهِمُ أنَّه كَانَ يدخلُ بعدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ وليسَ كذلكَ، بَلْ كَانَ يدخلُ الخِبَاءَ فَإِذَا صَلَّى المغربَ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ، واتَّفَقَ الأربعةُ أنَّ المُعْتَكِفَ إِذَا نَذَرَ اعتِكَافَ شَهْرٍ أنَّه لَا يدخلُ إلَّا عندَ الغُرُوبِ، وهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ بظَاهِرِ الحديثِ: يُصَلِّي الصُّبحَ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مُعتَكَفِهِ، وما أَسْلَفْنَاهُ يَرُدُّهُ.
          واخْتَلَفُوا إِذَا نَذَرَ يَوْمًا أو أَيَّامًا، فَقَالَ مَالِكٌ: يَدخُلُ قَبلَ غُرُوبِ ليلةِ ذَلِكَ اليَومِ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَرَادَ الاعتِكَافَ يومًا دَخَلَ قبلَ طُلُوعِ فَجرِهِ وخَرَجَ بعدَ غُرُوبِ شَمْسِه، خِلَافَ قولِه فِي الشَّهرِ، وقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعتَكِفَ عشرةَ أَيَّامٍ دَخَلَ فِي اعتكافِه قبلَ طُلُوعِ الفَجرِ، وإِذَا أَرَادَ اعتِكَافَ عشرَ ليالٍ دَخَلَ قبلَ الغُرُوبِ، وقَالَ اللَّيثُ وزُفَرُ وأَبُو يُوسُفَ: يدخلُ قبلَ طُلُوعِ الفَجرِ، واليومُ والشَّهرُ عندَهم سَوَاءٌ.
          ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى أنَّ اللَّيلَ لَا يدخلُ فِي الاعتِكَافِ إلَّا أنْ يَتَقَدَّمَهُ اعتِكَافُ النَّهَارِ، وليسَ اللَّيلُ بموضعٍ للاعتِكَافِ، فلَا يَصِحُّ الابتداءُ بِهِ.
          وذَهَبَ الأَوَّلُونَ إِلَى أنَّ النَّهَارَ تَبَعٌ للَّيلِ عَلَى كلِّ حَالٍ، فَلِذَلِكَ بَدَؤُوا باللَّيلِ، وهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ المسألةِ، لأنَّ المعروفَ عندَ جميعِ الأُمَّةِ تَقَدُّمُ الأوَّلِ للنَّهَارِ، بكَونِ الأَهِلِّةِ مَوَاقِيتَ للنَّاسِ فِي الشُّهُور والعددِ وغيرِ ذلكَ، وأوَّلُ الشَّهرِ لَيلُهُ، فَكَذَلِكَ كلُّ عَدَدٍ مِنَ الأيَّامِ وإنْ قَلَّ فإنَّ أوَّلَهُ لَيلُهُ، ولَا حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا.