التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحائض ترجل المعتكف

          ░2▒ بَابُ الحَائِضِ تُرَجِّلُ المُعْتَكِفَ
          2028- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ عَائِشَةَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ).
          هَذَا الحديثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، ومعناهُ: يَمِيْلُ فَيُدْخِلُ رَأْسَهُ وَكَتِفَيْهِ إِلَى الحُجْرَةِ فَتُرَجِّلُهُ، أي: تُسَرِّحُهُ بِدُهْنٍ، ومَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ _ولم يُقَيِّدْهُ غَيرُهُ_ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ مَا وَجَدَ المُقَامَ فِيْهِ لأنَّ الحَائِضَ لَا تَدْخُلُهُ، وتَرْجَمَ عَلَيْهِ بعدُ فِي آخِرِه بابَ: المُعْتَكِفِ يُدْخِلُ رَأْسَهُ البَيْتَ لِلْغُسْلِ، وذَكَرَه بِلَفْظِ: ((أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صلعم وَهِيَ حَائِضٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي المَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ))، وهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ ترجيلِ رَأْسِ المُعتَكِفِ، وفي معناهُ الحَلْقُ، وأنَّ اليدينِ مِنَ المرأةِ ليسَا بعورةٍ ولو كَانَتَا عَورَةً مَا بَاشَرَتْهُ بهما فِي اعتِكَافِهِ، ويَشهَدُ لَهُ أنَّ المرأةَ تُنهَى عَنْ لُبْسِ القُفَّازَيْنِ فِي الإحرامِ وتُؤْمَرُ بِسَتْرِ مَا عَدَا وَجْهَهَا وكَفَّيهَا، وهَكَذَا حُكْمُهَا فِي الصَّلَاةِ، وأنَّ الحَائِضَ طاهرٌ إلَّا موضعَ النَّجَاسَةِ منها.
          فَرْعٌ: الجِوَارُ والاعتكافُ سَوَاءٌ عندَ مالكٍ، حُكْمُهما واحدٌ إلَّا مَنْ جَاوَرَ نَهَارًا بِمَكَّةَ وانقَلَبَ ليلًا إِلَى أهلِه فلَا صَومَ فِيْهِ، ولَهُ أن يَطَأَ أَهْلَهُ، قَالَ: وجِوَارُ مَكَّةَ أمرٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الله تَعَالَى كالرِّبَاطِ والصِّيَامِ، وقَالَ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ: الجِوَارُ والاعتكافُ واحدٌ، وقَالَ عَطَاءٌ: هُمَا مختلفانِ، كَانَتْ بيُوُتُ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي المَسجِدِ، فَلَمَّا اعتَكَفَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَرَجَ مِنْ بُيُوْتِهِ إِلَى بَطْنِ المَسْجِدِ فَاعْتَكَفَ فِيْهِ، والجِوَارُ بخلافِ ذلكَ، إنْ شَاءَ جَاوَرَ ببابِ المَسجِدِ أو فِي جَوْفِهِ لِمَنْ شَاءَ، وقَالَ مجاهدٌ: الحَرَمُ كُلُّه مَسجِدٌ يَعْتَكِفُ فِي أَيِّهِ شَاءَ، وإنْ شَاءَ فِي مَنزلِهِ، إلَّا أنَّه لَا يُصَلِّي إلَّا فِي جَمَاعَةٍ.
          فَرْعٌ: استُدِلَّ بِهِ عَلَى أنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فأَدْخَلَ بَعْضَ بَدَنِه لَا يَحنَثُ، واختُلِفَ فِيْمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فأَدْخَلَ إِحٍدَى رِجْلَيْهِ، قَالَ ابنُ القَاسِمِ: إنْ مَنَعَ البابَ أن يَنْغَلِقَ حَنِثَ، وقَالَ ابنُ حَبِيْبٍ: إنِ اعتَمَدَ عَلَى الدَّاخِلَةِ حَنِثَ.