-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
باب الحائض ترجل المعتكف
-
باب: لا يدخل البيت إلا لحاجة
-
باب غسل المعتكف
-
باب الاعتكاف ليلًا
-
باب اعتكاف النساء
-
باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟
-
باب الاعتكاف
-
باب اعتكاف المستحاضة
-
باب: هل يدرأ المعتكف عن نفسه؟
-
باب من خرج من اعتكافه عند الصبح
-
باب الاعتكاف في شوال
-
باب من لم ير عليه صومًا إذا اعتكف
-
باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان
-
باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج
-
باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل
-
باب الحائض ترجل المعتكف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░5▒ بَابُ الِاعْتِكَافِ لَيْلًا
2032- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ ابنِ عُمَرَ: (أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ).
وتَرجَمَ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ البَابِ بَابَ: مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِذَا اعْتَكَفَ صَوْمًا، وزَادَ فِيهِ: ((فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً))، وتَرجَمَ عَلَيْهِ أَيْضًا عَقِبَهُ بَابَ إِذَا نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ أَسْلَمَ، وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وفي روايةٍ لَهُ: ((يَوْمًا)) بَدَلَ (لَيْلَةً)، قَالَ ابنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحِه»: ألفاظُ أخبارِ هَذَا الحديثِ مُصَرِّحَةٌ بأنَّ عُمَرَ نَذَرَ اعتِكَافَ لَيْلَةٍ إلَّا بهَذَا _يَعنِي روايةَ مُسْلِمٍ_ فإنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ، فَيُشبِهُ أَنْ يَكُوْنَ أرادَ باليومِ مَعَ لَيلَتِهِ، وباللَّيْلَةِ مَعَ اليومِ حَتَّى لَا يَكُونَ بينَ الخبرينِ تَضَادٌّ، والعَرَبُ تُعَبِّرُ بِذَلِكَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً} [الأعراف:142]، وقَدْ رَوَى عُمَرُو بنُ دينارٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عُمَرَ قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ صلعم بالجِعِرَّانَةِ: إِنِّي نَذَرْتُ أن اعتَكِفَ يَوْمًا وليلةً، فاقتَصَرَ بعضُهم عَلَى البَعْضِ، ويَجُوزُ للرَّاوِي أنْ يَنْقُلَ بَعْضَ مَا سَمِعَ، وفي روايةٍ لأَبِي دَاوُدَ والنَّسَائِيِّ: ((فاعْتَكِفْ وَصُمْ))، قَالَ ابنُ حَزْمٍ: لَا يَصِحُّ، لأنَّ فِي سَنَدِهما عبدَ اللهِ بنَ بُدَيْلٍ وهُوَ مجهولٌ.
قُلْتُ: لَا فَقَدْ عَلَّقَ لَهُ البُخَارِيُّ ووَثَّقَ، نَعَمْ تَفَرَّدَ بزيادَةِ الصَّوْمِ، كَمَا قَالَهُ ابنُ عَدِيٍّ والدَّارَقُطْنِيُّ وضَعَّفَاهُ، ونَقَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ النَّيْسَابُوْرِيِّ أنَّه حديثٌ مُنْكَرٌ، لأنَّ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرٍو لم يَذْكُرُوهُ _يَعنِي الصَّومَ_ منهم: ابنُ جُرَيْجٍ وابنُ عُيَيْنَةَ وحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ وغيرُهم.
ثُمَّ قَالَ ابنُ حَزْمٍ: ولَا نَعْرِفُ هَذَا الخبرَ مِنْ مُسْنَدِ عَمْرِو بنِ دِيْنارٍ أَصْلًا، وما نَعْرِفُ لعَمْرِو بنِ دينارٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ حديثًا مسندًا إلَّا ثلاثةً لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَسَقَطَ الخبرُ لبُطْلانِ سَنَدِهِ، قُلْتُ: لعَمْرِو بنِ دينارٍ فِي «الصَّحِيحِ» عَنِ ابنِ عُمَرَ نحوُ عَشَرَةِ أحاديثَ فما هَذَا الكلامُ؟!
إِذَا تَقَرَّرَ ذلكَ: فَمَنْ نَذَرَ اعتِكَافَ ليلةٍ لم يَلزَمْهُ سِوَاهَا خِلَافًا لمالكٍ، حَيْثُ قَالَ: يَلزَمُهُ يومٌ مَعَهَا. وقَالَ سُحنُونُ: لَا شيءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا صِيَامَ فِي اللَّيلِ قَالَ: ومَنْ نَذَرَ اعتِكَافَ يومٍ يَلْزَمُهُ يومٌ وليلةٌ، ويَدْخُلُ اعتِكَافُهُ قبلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيلَتِهِ، وإنْ دَخَلَ قبلَ الفَجْرِ لم يُجْزِهِ، وإنْ أَضَافَ إِلَيْهِ اللَّيلةَ المُستَقْبَلَةَ.
وقولُه ◙: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ) مَحْمُوْلٌ عَلَى الاستحبابِ بدليلِ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ مَا قَبلَهُ، وقَدْ حَمَلَهُ الطَّبَرِيُّ عَلَى الوُجُوبِ، وسَيَأْتِي الخلافُ فِيْهِ فِي الأَيْمَانِ والنُّذُورِ [خ¦6697]، والبُخَارِيُّ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الوَفَاءِ بِهِ، كَمَا بَوَّبَ عَلَيْهِ هُنَاكَ وقَاسَ اليَمِينَ عَلَى النَّذْرِ، وهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ والطَّبَرِيِّ، واختَلَفَ أَصْحَابُنا فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ فِي حَالِ شِرْكِهِ، والأَصَحُّ عَدَمُ صِحَّتِهِ.
وفَيهِ: دليلٌ عَلَى تأكيدِ الوَفَاءِ بالوعدِ، أَلَا تَرَى أنَّه أَمَرَهُ بالوَفَاءِ بِهِ وقَدْ خَرَجَ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ إِلَى الإسلامِ، وإنْ كَانَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مَا كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَيمَانٍ وطَلاقٍ وعَقْدٍ فإنَّ الإسلامَ يَهْدِمُها ويُسْقِطُ حُرمَتَهَا، قَالَهُ ابنُ بَطَّالٍ، قَالَ الخَطَّابِيُّ: وفِيْهِ دلالةٌ عَلَى أنَّ نَذْرَ الجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى وِفَاقِ الإسلامِ كَانَ معمولًا بِهِ، وهُوَ ظاهرُ تبويبِ البُخَارِيِّ، ومَنْ حَلَفَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ كَفَّرَ، وإليهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وعَنْ أَشْهَبَ نحوُه، ومَذْهَبُ مالكٍ: لَا شيءَ عَلَيْهِ.
وفِيْهِ: دِلالةٌ عَلَى جَوَازِ الاعتِكَافِ بغيرِ صَومٍ وهُوَ مَذهَبُ الشَّافِعِيِّ والحَسَنِ وأَبِي ثَوْرٍ، ورُوِيَ عَنْ / عليٍّ أَيْضًا وابنِ مَسْعُوْدٍ وطَاوُسٍ وعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
وقَالَ مَالِكٌ وأَبُو حَنِيْفَةَ والأَوْزَاعِيُّ: لَا اعتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ، وقَالَه ابنُ عُمَرَ وابنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ وعُرْوَةُ والزُّهْرِيُّ، وقِيْلَ: إنَّه مَذْهَبُ عَلِيٍّ والشَّعْبِيِّ ومُجَاهِدٍ والقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ وابنِ المُسَيِّبِ ونَافِعٍ والثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ والحَسَنِ بنِ حَيٍّ، والشَّافِعِيِّ فِي القديمِ وقولٍ لِأَحْمَدَ، ورَوَاهُ عَطَاءٌ ومِقْسَمٌ وأَبُو فَاخِتَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، والحديثُ دالٌّ لِلأَوَّلِ، إذِ اللَّيْلُ لَيْسَ قابلًا للصَّوْمِ وإنْ كَان يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ مَعَ يَوْمِهَا.
ومَعْنَى قَوْلِهِ: (فِي الجَاهِلِيَّةِ) أي: فِي زَمَنِهَا، قَالَ الخَطَّابِيُّ: وقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَنَّ الكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ وهُوَ جُنُبٌ لَزِمَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ.
تَنبِيهٌ: استَدَلَّ مَنْ قَالَ بعَدَمِ شَرطِيَّةِ الصَّومِ فِي صِحَّةِ الاعتِكَافِ مَعَ حديثِ البابِ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ((لَيْسَ عَلَى المُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ))، ثُمَّ قَالَ: رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السُّوْسِيُّ، وغيرُه لَا يَرفَعُهُ، ومِنْ جِهَةِ القِيَاسِ: أنَّه عِبَادَةُ أصلٍ بنفسِه فلَا يَكُونُ شرطًا لغيرِه كالصَّلَاة وغيرِها، وصَومُ رَمَضانَ لَا يُقبَلُ غَيرُهُ، ومعلومٌ أنَّ اعتِكَافَ الشَّارِعِ كَانَ فِي رَمَضَانَ، وقَالَ ابنُ شِهَابٍ: اجتَمَعَتُ أَنَا وأَبُو سُهَيْلِ بنُ مَالكٍ عِنْدَ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ فَقُلْتُ: لَا يَكُونُ اعتِكَافٌ بغيرِ صَومٍ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمِنَ النَّبِيِّ صلعم؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَمِنْ أبي بَكْرٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَمِنْ عُمَرَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: عُثْمَانَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فلَا إِذَنْ.
وقَدْ صَحَّ أنَّه ◙ اعتَكَفَ العَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ شَوَّالٍ، ويومُ العيدِ غيرُ قابلٍ للصَّوْمِ، احتَجَّ مَنِ اشْتَرَطَهُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا: ((لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ))، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، وَوَهِمَ راوِيْهِ، وهُوَ عندَ أَبِي دَاوُدَ عَنْهَا: ((السُّنَّةُ عَلَى المُعْتَكِفِ أَلَّا يَعُودَ مَرِيضًا))، وفِيْهِ: ((وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ)). قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَالُ: قولُه: ((السُّنَّةُ)) إِلَى آخِرِه، إنَّما هُوَ مِنْ قَوْلِ ابنِ شِهَابٍ، ومَنْ أَدْرَجَهُ فِي الحَدِيْثِ فقَدْ وَهِمَ، وقَالَ: الأَشْبَهُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ.
وقَالَ الحَاكِمُ: لفُقَهَاءِ أَهْلِ الكُوفَةِ فِي ضِدِّ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ يرفَعُهُ: ((لَيْسَ عَلَى المُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ))، وهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، حديثانِ: الأَوَّلُ: حديثُ عَائِشَةَ هَذَا، والثَّانِي: حديثُ عُمَرَ السَّالِفُ: ((اعْتَكِفْ وَصُمْ))، قَالَ: ولَمْ يَحتَجَّ الشَّيخَانِ بِسُفْيَانَ ولَا بابنِ بُدَيْلٍ، وقَالَ ابنُ عَدِيٍّ: لَا أعلمُ أَحَدًا ذَكَرَ الصَّوْمَ فِي الاعتكافِ هُنَا إلَّا هُوَ، ولَهُ غَيرُ مَا ذَكَرْتُ مِمَّا ينكرُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فِي إسنادِه أو متنِه ولَمْ أرَ للمُتَقَدِّمِينَ فِيْهِ كلامًا فَأَذْكُرَهُ، قُلْتُ: قَدْ قَالَ يَحْيَى: صَالِحٌ.
وذَكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ _وغَيرُهُ_ فِي «ثِقَاتِه» وصَحَّحَ حديثَه هَذَا ابنُ العَرَبِيِّ، ولَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ، وقَدْ تُوْبِعَ ولَمْ يَنفَرِدْ بِهِ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيْثِ سَعِيدِ بنِ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّ عُمَرَ نَذَرَ أنْ يَعتَكِفَ فِي الشِّركِ ويَصُومَ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلعم فقَالَ: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ)، قَالَ عَبْدُ الحَقِّ: تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ هَذَا، وقَالَ الشَّافِعِيُّ _فِيمَا حَكَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْهُ_ رَأَيْتُ عَامَّةً مِنَ الفُقَهَاءِ يَقُوْلُوْنَ: لَا اعتِكَافَ إلَّا بصَومٍ، وقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: لم يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صلعم أنَّه اعتَكَفَ بغيرِ صَومٍ، ولو كَانَ جائزًا لَفَعَلَهُ تعليمًا للجَوَازِ، وهُوَ عَمَلُ أهلِ المدينةِ، قَالُوا: ويُجَابُ عَنْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ بأُمُورٍ: مِنْهَا: أنَّ السُّوْسِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ، ولَمْ يَحتَجَّ بِهِ أَهْلُ الصَّحِيحِ، فلَا يُعَارِضُ حديثَ عبدِ الرَّحمَنِ بنِ إِسْحَاقَ المُحتَجَّ بِهِ فِي «الصَّحِيحِ».
ثَانِيْهَا: أَسْلَفْنَا عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ اشتراطَ الصَّومِ، والرَّاوِي إِذَا عَمِلَ بخِلَافِ مَا رَوَى قَدَحَ ذَلِكَ فِي روايتِه عندَ الحَنَفِيَّةِ.
ثَالِثُهَا: القولُ بمُوجَبِ الحديثِ، وهُوَ أنَّ الهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى الاعتِكَافِ دُونَ الصَّومِ، لِأَنَّهُ أكثرُ فائدةً، ولأنَّ وُجُوبَ المنذورِ بالنَّذْرِ مَعلُومٌ والخَفَاءَ فِي وُجُوبِ غيرِ المنذورِ بالنَّذْرِ، فكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الأكثرِ فائدةً أو يحتملُه فيحملُ عَلَيْهِ توفيقًا بينَ الحديثينِ.
رَابِعُهَا: نقولُ إنَّه مَحْمُوْلٌ عَلَى الحَضِّ والنَّدْبِ، وحديثُ عُمَرَ مَحْمُوْلٌ عَلَى أنَّه كَانَ نَذَرَ يَوْمًا وليلةً، وهُوَ فِي «مُسْلٍمٍ» أَعنِي يومًا. وادَّعَى بعضُهم أنَّ الصَّومَ كَانَ فِي أوَّلِ الإسلامِ باللَّيلِ، فلَعَلَّ ذَلِكَ قبلَ نَسْخِهِ وليسَ بجَيِّدٍ، لأنَّ حديثَ عُمَرَ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وادَّعَى القُرْطُبِيُّ أنَّ الصَّحِيحَ اشتراطُه ومُرَادُهُ مِنْ مذهبِه، قَالَ: لأنَّ حديثَ عَائِشَةَ إنْ صَحَّ فَهُوَ نَصٌّ، وإنْ لم يَصِحَّ فالأصلُ فِي العباداتِ والقُرَبِ أنَّها لَا تُفْعَلُ إلَّا عَلَى نَحوِ مَا قَرَّرَهَا الشَّارِعُ أو فَعَلَهَا، وقَدْ تَقَرَّرَ مشروعيَّةُ الاعتكافِ مَعَ الصَّومِ فِي قولِه تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة:187] قُلْتُ: لَا يَلزَمُ مِنْهُ الصَّومُ، قَالَ: وإنَّه ◙ لم يَعتَكِفْ إلَّا صَائِمًا، فمَنِ ادَّعَى جَوَازَه بغيرِه فَلْيَأْتِ بدليلٍ. قُلْتُ: قَدْ أَسْلَفْنَا اعتِكَافَه ◙ العَشْرَ الأوَّلَ مِنْ شوَّالٍ، ويومُ الفِطْرِ لَا يَصلُحُ للصَّوم، ولِهَذَا لمَّا ذَكَرَهُ الإسماعيليُّ فِي «صَحِيحِه» قَالَ: فِيْهِ دِلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الاعتِكَافُ بغيرِ صَومٍ، لكنْ فِي «البُخَارِيِّ»: ((اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ))، وفي لفظٍ لَهُ: ((فِي العَشْرِ)) وفي آخَرَ: ((عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ))، ولفظُ مُسْلِمٍ: ((اعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ شَوَّالٍ))، وفي الإسماعيليِّ: <حَتَّى إِذَا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ فِي شَوَّالٍ>، ولأبي نُعَيْمٍ: فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ إلَّا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَوَّالٍ، وللطَّحَاوِيِّ: تَرَكَ الاعتِكَافَ حَتَّى أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعتَكَفَ فِي عَشْرٍ مِنْ شَوَّالٍ، وسَيَكُونُ لَنَا عَودَةٌ إِلَى تَتِمَّةِ المسألةِ قريبًا فِي بَابِه.