التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟

          ░8▒ بَابٌ: هَلْ يَخْرُجُ المُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ؟
          2035- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ صَفِيَّةَ أُمِّ المؤمنينَ: (أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلعم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا...) الحديثَ، وترجمَ لَهُ:
          ░11▒ بَابُ زِيَارَةِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ
          2038- وَذَكَرَ أنَّ بَيْتَ صَفِيَّةَ كَانَ فِي دَارِ أُسَامَةَ خَارِجَ المسجدِ، فَخَرَجَ مَعَهَا، ولَا خِلَافَ فِي جَوَازِ خُرُوجِ المُعتَكِفِ فِيْمَا لَا غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ، وإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي المُعتَكِفِ يَدْخُلُ لحَاجَتِهِ تحتَ سَقْفٍ، فأَجَازَه الزُّهْرِيُّ ومَالِكٌ وأَبُو حَنِيْفَةَ والشَّافِعِيُّ، وفِيْهِ قولٌ ثَانٍ بالمنعِ رُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ والنَّخَعِيِّ وعَطَاءٍ وإِسْحَاقَ، وثَالِثٌ: إنْ دَخَلَ بيتًا غيرَ مسجدٍ بَطَلَ اعتِكَافُهُ إلَّا أَنْ يَكُوْنَ مَمَرُّهُ فِيْهِ، وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ والحَسَنِ بنِ حَيٍّ، وكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي استقلالِه بالأُمُورِ المباحةِ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي «المُوَطَّأِ»: لَا يأتي المُعتَكِفُ حَاجَةً، ولَا يَخْرُجُ لَهَا ولَا يُعِينُ أحدًا عَلَيْهَا ولَا يشتغلُ بتِجَارَةٍ ولَا بَأْسَ أن يَأْمُرَ أهلَه ببيعِ مَالِهِ، وصَلَاحِ صنيعتِه.
          وقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ والشَّافِعِيُّ: لَهُ أنْ يَتَحَدَّثَ ويبيعَ ويشتريَ فِي المسجدِ، ويتشاغلَ بِمَا لَا يَأْثَمُ فِيْهِ، وليسَ عَلَيْهِ صَمْتٌ، وقَالَ مَالِكٌ: لَا يشترِي إلَّا مَا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ مِنْ طَعَامِه إِذَا لم يَكُنْ مَنْ يَكفِيهِ، وكَرِهَ مالكٌ واللَّيْثُ الصُّعُوَدَ عَلَى المَنَارَةِ، قَالَا: ولَا يَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِ المَسجِدِ، وأَجَازَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيْفَةَ والشَّافِعِيُّ، قَالَا: ولو كَانَتِ المنارةُ خَارجَ المَسْجِدِ، وكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي حُضُورِ مجالسِ العلمِ، فرخَّصَ فِي ذَلِكَ كثيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ والأَوْازعيِّ واللَّيثِ والشَّافِعِيِّ، وقَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْتَغِلُ فِي مَجَالِسِ العِلْمِ، وكَرِهَ أنْ يَكْتُبَ العِلْمَ.
          قَالَ ابنُ المُنْذِرِ: وطَلَبُ العلمِ أفضلُ الأعمالِ بعدَ أداءِ الفرائضِ، لانتشارِ الجهلِ ونُقْصَانِ العلمِ، وذَلِكَ إِذَا أَرَادَ اللهَ بِهِ طَالِبُهُ، عَمَلُ البِرِّ لَا يُنَافِي الاعتِكَافَ، لَا يُقَالُ: مجالسُ العلمِ شاغلةٌ لَهُ عَنِ اعتِكَافِه فأيُّ شُغْلٍ أهمُّ مِنْهُ، ولَا يُعْتَرَضُ بعَوْدِ المريضِ وتباعِ الجِنَازَةِ وهُمَا مِنْ أعمالِ البِرِّ، لأنَّهما يُحْوِجَانِ إِلَى الخُرُوجِ، وهَذَا الحديثُ حُجَّةٌ عَلَى الاشتغالِ بالمباحِ، فإنَّ الشَّارِعَ حَادَثَ صَفِيَّةَ ومَشَى مَعَهَا.
          وفِيْهِ مَا تَرْجَمَ لَهُ _ثانيًا_ وهُوَ زيارةُ أَهْلِ المُعتَكِفِ لَهُ فِي اعتِكَافِهِ ومُحَادَثَتُهُ والسَّلَامُ عَلَيْهِ، وأنَّه لَا بَأْسَ أنْ يعملَ فِي اعتِكَافِه بعضَ العَمَلِ الَّذِي لَيْسَ مِنَ الاعتِكَافِ مِنْ تشييعِ قَاصِدٍ وبِرِّ زَائِرٍ وإكرامِ معتقدٍ وما كَانَ فِي معناهُ مِمَّا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ عَنِ اعتِكَافِهِ.
          وقولُه: (قَامَتْ تَنْقَلِبُ) أي: تَنْصَرِفُ إِلَى منزِلها، يُقَالُ: قَلَبَهُ يَقْلِبُهُ وانْقَلَبَ هُوَ إِذَا انصَرَفَ، وقولُه: (مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ) كَذَا فِي البابينِ، وفي روايةِ سُفْيَانَ بعدَ هَذَا _فِي بابِ: هَلْ يَدْرَأُ المُعتَكِفُ عَنْ نفسِه؟_ أنَّه كَانَ رَجُلًا واحدًا، قَالَ ابنُ التِّيْنِ: ولَعَلَّه وَهْمٌ، لأنَّ أكثرَ الرِّوَايَاتِ أنَّهما اثنانِ، ويُحْتَمَلُ أنَّ هَذَا كَانَ مَرَّتَينِ أو أنَّه ◙ أقبلَ عَلَى أحدِهما بالقَولِ بحضرةِ الآخَرِ، فيَصِحُّ عَلَى هَذَا نسبةُ القِصَّة إليهما جميعًا وأفرادًا، نَبَّهَ عَلَيْهِ القُرْطُبِيُّ.
          وقولُها: (فَسَلَّمَا) فِيْهِ جَوَازُ التَّسلِيمِ عَلَى رَجُلٍ مَعَهُ امرأةٌ بخِلَافِ مَا يَقُولُه بعضُ الأغبياءِ، وقولُه: (عَلَى رَِسْلِكُمَا) أي: عَلَى هِيْنَتِكُمَا، قَالَ ابنُ فَارِسٍ: الرَّسْلُ السَّيْرُ السَّهْلُ، وضَبَطَهُ بالفتحِ، وهَذِهِ اللَّفْظَةُ بكسرِ الرَّاءِ وبالفتحِ، قيلَ: بمَعنَى التُّؤْدَةِ وتَرْكِ العَجَلَةِ، وقِيْلَ: بالكسرِ التُّؤْدَةُ، وبالفتحِ اللِّينُ والرِّفْقُ، والمَعنَى مُتَقَارِبٌ، وفي روايةٍ ((تَعَالَيَا)) أي: قِفَا، ولَمْ يُرِدِ المجيءَ إليهِ، قَالَ تَعَالَى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران:64]، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: كَذَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ إِنَّ معناهُ قِفَا هُنَا، وأَخْرَجَهُ عَنْ مَعنَاهُ وهُوَ كَلَّمَا بغيرِ دليلٍ واضحٍ، وقَدْ قَالَ ابنُ قُتَيْبَةَ: تَعَالَى تَفَاعَلَ مِنْ عَلَوْتُ.
          قَالَ الفَرَّاءُ: أصلُها عَالَ إِلَيْنَا وهُوَ مِنَ العُلُوِّ، ثُمَّ إنَّ العَرَبَ لكثرةِ استعمالِهم إِيَّاهَا صَارَتْ عندَهم بمنزلةِ هَلُمَّ، حَتَّى استجازُوا أنْ يَقُولُوا لرَجُلٍ وهُوَ فوقَ شَرَفٍ تَعَالَى _أي: اهبِطْ_ وإِنَّمَا أَصْلُهُ الصُّعُودُ.
          وقولُه: (إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ) فِيْهِ: النِّسبَةُ إِلَى الأَبِ الكَافِرِ، وقولُه: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا)، وفي روايةٍ: ((شَرًّا)) يُرِيدُ بِذَلِكَ شَفَقَتَه عَلَى أُمَّتِه وصِيَانَتَه قُلُوبَهم، فإنَّ ظَنَّ السَّوءِ بالأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كُفْرٌ بالإجماعِ.
          قَالَ الخَطَّابِيُّ: وبَلَغَنِي عَنِ الشَّافِعِيِّ أنَّه قَالَ فِي مَعنَى هَذَا الحديثِ: خَافَ عَلَيْهِمَا الكُفْرَ لو ظَنَّا بِهِ ظَنَّ التُّهْمَةِ، فبَادَرَ إِلَى إعلامِهما نصيحةً لهما فِي حَقِّ الدِّينِ، وقِيْلَ: فَعَلَهُ تعليمًا لَنَا لرفعِ الظُّنُونِ، وقَدْ يَكُونُ الأَنصَارِيَّانِ فِي أوَّلِ الإسلامِ، ولَمْ يكنْ عندَهما مِنَ اليَقِينِ مَا يُدفَعُ بِهِ كَيدُ الشَّيطَانِ، لكنْ رَأَيْتُ مَنْ قَالَ: قيلَ: إنَّهما أُسَيْدُ بنُ حُضَيرٍ وعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ صَاحِبَا المِصبَاحَينِ، ولَمَّا ذَكَرَ البَزَّارُ حديثَ صَفِيَّةَ هَذَا قَالَ: هَذِهِ أحاديثُ مناكيرُ، لِأَنَّهُ ◙ كَانَ أطهرَ وأَجَلَّ مِنْ أنْ يَرَى أنَّ أَحَدًا يَظُنُّ بِهِ ذلكَ، ولَا يَظُنُّ بِهِ ظَنَّ السَّوءِ إلَّا كافرٌ أو مُنَافِقٌ، فَقِيْلَ لَهُ: لو كَانَ حَقًا كَمَا قُلْتَ لَمَا احتَاجَ إِلَى الاعتذارِ، لأنَّ الكُفْرَ باللهِ أعظمُ مِنْ ذلكَ، وإنْ كَانَ مُنَافِقًا فحَالُهُ حَالُ الكَافِرِ، وإنْ كَانَ مُسْلِمًا قيلَ: هَذَا الظَّنُّ بِهِ يُخْرِجُهُ مِنَ الإسلامِ. فهَذِهِ الأخبارُ عندَنا ليستْ ثابتةً، فإنْ قيلَ: قَدْ رَوَاهَا قومٌ ثِقَاتٌ ونَقَلَها أهلُ العلمِ بالأخبارِ، قيل لَهُ: العِلَّةُ الَّتِي بَيَّنَّاهَا لَا خَفَاءَ بِهَا، ويَجِبُ عَلَى كلِّ مُسْلِمٍ القولُ بِهَا والذَّبُّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم، وإنْ كَانَ الرَّاوِي لَهَا ثِقَاتٌ فلَا يَعْرُوْنَ مِنَ الخطأِ والنِّسيَانِ والغَلَطِ، وقَالَ أَبُو الشَّيخِ عندَ ذِكْرِهِ هَذَا الحديثَ وبَوَّبَ لَهُ قَالَ: إنَّه غيرُ محفوظٍ.
          وفِيْهِ: استحبابُ / التَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لسُوءِ الظَّنِّ وطَلَبُ السَّلَامَةِ والاعتذارُ بالأعذارِ الصَّحِيحةِ تعليمًا للأُمَّةِ.
          وقولُه: (يَبْلُغُ) وفي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: ((يَجْرِي مِنَ ابنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ))، قيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وأنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ قُوَّةً عَلَى ذلكَ، وقِيْلَ: مَجَازٌ لكثرةِ أعوانِه ووَسْوَسَتِهِ، فكأنَّه لَا يُفَارِقُ الإنسانَ كَمَا لَا يُفَارِقُهُ دَمُهُ، وقِيْلَ: إنَّه يُلقِي وَسْوَسَتَهُ فِي مَسَامَّ لطيفةٍ مِنَ البَدَنِ، فتَصِلُ الوَسْوَسَةُ إِلَى القَلْبِ.
          وزَعَمَ ابنُ خَالَوَيْهِ فِي كتابِ «لَيْسَ»: أنَّ الشَّيطَانَ لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى النَّاصِيَةِ وعَلَى أنْ يأتيَ العبدَ مِنْ فَوقِه، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} الآية [الأعراف:17]، ولَمْ يقُلْ: مِنْ فَوقِهم، لأنَّ رحمةَ اللهِ تَنْزِلُ مِنْ فَوقُ.
          وقولُه: (وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا) أي: عَظُمَ، قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ، وفِيْهِ: بَيَانُ مَا يُخشَى أنْ يُظَنَّ بِهِ، وفِيْهِ: دِلَالَةٌ عَلَى أنَّ للمُعتَكِفِ الاشتغالَ بالمباحِ كَمَا وَقَعَ لَهُ مَعَ صَفِيَّةَ، وقَدْ سَلَفَ.
          فَرْعٌ: إِذَا خَرَجَ المُعْتَكِفُ لحَاجَةٍ قَنَّعَ رَأسَهُ حَتَّى يَرجِعَ، أَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا كذلكَ.
          فَرْعٌ: لَا يَتَعَدَّى فِي خُرُوجِه أقربَ المَوَاضِعِ إليهِ، فإنْ خَالَفَ ابتدأَ اعتِكَافَه، قَالَهُ مَالِكٌ فِيْمَا نَقَلَهُ ابنُ العَرَبِيِّ قَالَ: ولَا يَقِفُ لأَدَاءِ شَهَادَةٍ إلَّا مَاشِيًا، فإنْ وَقَفَ ابْتَدَأَ، ولَا يُعَزِّي أَحَدًا، ولَا يُصَلِّي عَلَى جِنازَةٍ إلَّا فِي المَسْجِدِ، ولَا يَخِيطُ ثَوبَه إلَّا الشَّيءَ المُفَتَّقَ.
          قَالَ: وأجمعَ العُلَمَاءُ عَلَى أنَّ مَنْ وَطِئَ زَوجَتَه فِي اعتِكَافِه عَامِدًا ليلًا كَانَ أو نهارًا فَسَدَ اعتِكَافُه، ورُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ومُجَاهِدٍ أنَّهما قَالَا: كَانُوا يُجَامِعُونَ وهُمْ مُعتَكِفُونَ حَتَّى نَزَلَتْ {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} الآية [البقرة:187].
          وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا إِذَا اعتَكَفُوا فَخَرَجَ أَحَدُهُمْ إِلَى الغَائِطِ جَامَعَ امرَأَتَهُ ثُمَّ اغتَسَلَ ورَجَعَ إِلَى اعتِكَافِهِ، فنَزَلَتِ الآيةُ، واخْتَلَفُوا فِيْمَا دُونَه مِنَ القُبْلَةِ واللَّمْسِ والمُبَاشَرَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ ذَلِكَ ليلًا أو نهارًا فَسَدَ اعتِكَافُه أَنْزَلَ أو لم يُنْزِلْ، وأظهَرُ أقوالِ الشَّافِعِيِّ أنَّه إنْ أنزلَ أَبْطَلَ، وإِلَّا فَلَا.
          فَرْعٌ: خُرُوجُه مَعَ صَفِيَّةَ للتَّشيِيعِ، فإنْ خَرَجَ لغيرِ عِلَّةٍ بَطَلَ اعتِكَافُهُ، وقَالَ النُّعْمَانُ: إنْ خَرَجَ سَاعَةً لغيرِ عُذْرٍ استأنفَ، وقَالَ صَاحِبَاهُ: يَوْمًا أو أكثرَ مِنْ نِصفِهِ، وأَجَازَ مالكٌ إِذَا اشتَدَّ مَرَضُ أَحَدِ أَبَوَيهِ ويبتدئُ، ويَخْرُجُ للاغتسالِ مِنَ الحُلُمِ وللجمعةِ وللحَرِّ كَمَا سَلَفَ، وفي الخُرُوجِ لشِرَاءِ الطَّعَامِ خِلَافٌ، واختُلِفَ هَلْ يَدْخُلُ تحتَ سَقْفٍ؟
          فَرْعٌ: لو شَرَطَ فِي اعتِكَافِهِ الخُرُوجَ لعَارِضٍ، صَحَّ الشَّرطُ عندَنا عَلَى الأظهرِ خِلَافًا لمالكٍ.
          تنبيهٌ: قولُه: ((وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ، فَقَالَ لِصَفِيَّةَ: لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ)) فِيْهِ: الأمرُ بِمَا لَا بُدَّ للمُعتِكِفِ مِنْهُ، قَالَ ابنُ التِّيْنِ: والرَّوَاحُ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى اللَّيلِ، وسَيَأْتِي عَنْ سُفْيَانَ أنَّه كَانَ ليلًا، فيحملُ كَمَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ: أنْ تُقِيمَ صَفِيَّةُ بَعدَهُنَّ مِنَ اللَّيلِ، لأنَّ الرَّوَاحَ إنَّما يَكُونُ نهارًا، ويَرُدُّه قَولُه بعدُ: (فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً) والجمعُ بينهما أنَّ أزواجَه رُحْنَ عَقِبَ الغُرُوبِ، وأَقَامَتْ هِيَ سَاعَةً فَقَامَتْ وقَدْ دَخَلَ اللَّيلُ، إلَّا أنَّ فِي قَولِ سُفْيَانَ: أَتَتْهُ ليلًا يمنعُ مِنْ هَذَا كلِّه، والأحاديثُ أَولَى مِنْ قَولِ سُفْيَانَ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، نَعَم البُخَارِيُّ رَوَى فِي موضعٍ آخَرَ عَنْ صَفِيَّةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم مُعْتَكِفًا فأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ ليلًا.
          وقولُه: (فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صلعم ثُمَّ أَجَازَا) أي: مَضَيَا عَنْهُ وخَلَّفَاهُ، قَالَ ابنُ فَارِسٍ: جُزْتُ المَوْضِعَ: سِرْتُ فِيْهِ، وأَجَزْتُهُ: خَلَّفْتُهُ وقَطَعْتُهُ.