التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الإيمان يأرز إلى المدينة

          ░6▒ بَابٌ: الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ.
          1876- ذَكر فيه حديثَ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ قَالَ: (إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا).
          و(عُبَيْدُ اللهِ) هو ابنُ عمرَ بنِ حفصِ بنِ عاصمِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّاب، و(خُبَيْبٌ) _بضمِّ الخاء المعجمة_ هو خالُه ابنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ خُبَيْبِ بنِ يَسَافِ بنِ عِنَبَةَ بنِ عمرو بنِ خَديجِ بنِ عامرِ بنِ جُشَمَ، أخي زيدٍ، وكانا توءمين، ابني الحارثِ بنِ الخزرجِ، توفِّي خُبَيْبٌ الأعلى في خلافة عثمانَ، وكان شهد بدرًا وما بعدَها، وتوفِّي الأدنى في زمن مروانَ بنِ محمَّدِ بنِ مروانَ.
          و(يَأْرِزُ) _بمثنَّاةٍ تحتُ ثمَّ همزةٍ ثمَّ راءٍ مكسورةٍ ثمَّ زايٍ_ هذا هو المشهور، وحكاه ابن قُرقُولٍ عن أكثر الرُّواة، قال: وقال أبو الحسين بنُ سرَّاجٍ: (لَيَأْرُزُ) بضمِّ الرَّاء، وعنِ القاضي حكايةٌ: فتحُها.
          ونقل ابنُ التِّين عنِ الشَّيخ أبي عمرانَ أنَّه قال: الَّذي جرى على ألسنتهم _يعني المحدَّثين_ فتح الرَّاء، والصَّواب كسرُها، ومعناه فيما ذكره ابنُ سِيدَهْ: ثبتت في مكانها ولاذَت بجُحرها ورجعت إليه، وقال أبو عبيدٍ: عنِ الأصمعيِّ: (يَأْرِزُ) ينضمُّ إليها ويجتمع بعضُه إلى بعضٍ.
          وقال أبو الأسوَدِ الدِّيليُّ: إنَّ فلانًا إذا سُئِلَ أرز، وإذا دُعِيَ اهتزَّ، قال أبو عُبيدٍ: يعني إذا سُئِلَ المعروفَ تضامَّ، وإذا دُعِيَ إلى طعامٍ أو غيرِه ممَّا ينالُه اهتزَّ لذلك، وقال الدَّاوُديُّ: معناه يرجع ويجتمع ويأتي، وكان / هذا في زمن رسولِ الله _صلعم_ ومَنْ يليه.
          و(الْجُحْر) الكوَّةُ، والمراد هنا (بِالمَدِينَةِ) هنا أهلُها قاله أبو مصعبٍ الدَّينوَرِي قال: وفيه تنبيهٌ على صحَّة مذهبهم وسلامتهم مِنَ البدع، وأنَّ عملَهم حُجَّةٌ، كما رأَى مالكٌ.
          وقال المهلَّب: فيه أنَّ المدينة لا يأتيها إلَّا مؤمنٌ، وإنَّما يسوقه إليها إيمانُه ومحبَّتُه في رسول الله _صلعم_ فكأنَّ الإيمان يَرجع إليها كمَا خرج منها أوَّلًا ومنها انتشرَ كانتشار الحيَّة مِنْ جحرها، ثمَّ إذا راعها شيءٌ رجعت إلى جُحرها، فكذلك الإيمان لَمَّا دخلتْه الدَّواخل لم يقصد المدينة إلَّا مؤمنٌ كامل الإيمان.