شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب مهر البغي والنكاح الفاسد

          ░51▒ بَاب مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ
          وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً، وَهُوَ لا يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ، وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا.
          فيه: أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: (نَهى النَّبيُّ صلعم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) الحديث. وقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: (نَهى النَّبيُّ صلعم عَنْ مَهْرِ البْغِيِّ). وقال أَبُو هُرَيْرَةَ: (نَهى النَّبيُّ صلعم عَنْ كَسْبِ الإمَاءِ). [خ¦5346]
          مهر البغيِّ حرامٌ بإجماع الأمَّة(1)، ولا يلحق فيه نسبٌ، وأمَّا النكاح الفاسد ينقسم قسمين: يكون فساده في العقد، أو في الصداق، فما فسد في العقد لا ينعقد عند أكثر الأمَّة، ومنه ما ينعقد عند بعضهم، فما فسخ قبل البناء ممَّا فسد لعقدٍ فلا صداق فيه، ويردُّ ما أخذت، وما فسخ(2) بعد البناء ففيه المسمَّى، / وما فسد لصداقه كالبيع في فساد ثمنه، أنَّه يفسخ قبل الدخول(3)، ويمضي إذا فات بالدخول ويردُّ إلى قيمته.
          وآخر قول ابن القاسم: أنَّ كلَّ ما نصَّ الله ورسوله على تحريمه ولا يختلف فيه فإنَّه يفسخ بغير طلاقٍ، وإن طلَّق فيه لا يلزم ولا يتوارثان كمتزوِّج(4) الخامسة، وأختًا من الرضاعة، والمرأة على عمَّتها وخالتها، أو من تزوَّج امرأةً فلم يبن بها حتَّى تزوَّج ابنتها، أو نكح في العدَّة.
          قال: فكلُّ ما اختلف الناس في إجازته أو فسخه(5)، فالفسخ فيه بطلاقٍ، وتقع فيه الموارثة والطلاق والخلع بما أخذ، ما لم يفسخ، كالمرأة تزوِّج نفسها أو تنكح بغير وليٍّ أو أمةٍ بغير إذن السيِّد أو بغررٍ في صداقٍ، إذ لو قضى به قاضٍ لم أنقضه، وكذلك نكاح المحرم والشغار للاختلاف فيهما.
          وأمَّا من تزوَّج محرَّمةً وهما لا يعلمان التحريم، ففُرِّق بينهما، فلا حدَّ عليهما، واختلف العلماء في صداقها على قولين بحسب اختلاف قول الحسن البصريِّ، فقوله: (لهَا مَا أَخَذَتْ)، يعني: صداقها المسمَّى، وقوله بعد ذلك: (لهَا صَدَاقُهَا)، يريد صداق مثلها، وسائر الفقهاء على هذين القولين؛ طائفةٌ تقول بصداق المثل، وطائفةٌ تقول: المسمَّى، وأمَّا من تزوَّج محرَّمةً وهو عالمٌ(6) بالتحريم، فقال مالكٌ وأبو يوسف ومحمَّدٌ والشافعيُّ: عليه الحدُّ، ولا صداق في ذلك. وقال الثوريُّ وأبو حنيفة: لا حدَّ عليه، وإن علم عزِّر. قال أبو حنيفة: ولا يبلغ به أربعين.
          وفرَّق ابن القاسم بين الشراء والنكاح، فأوجب في نكاح المحرَّمة إذا علم(7) تحريمها الحدَّ ولا حدَّ عليه إذا اشتراها ووطئها، وهو عالمٌ بتحريمها، وسائر الفقهاء غير الكوفيِّين لا يفرِّقون بين النكاح والملك في ذلك، ويوجبون الحدَّ في كلا الوجهين.
          وحجَّة أبي حنيفة قال: العقد شبهةٌ، وإن كان فاسدًا كما لو وطئ جاريةً بينه وبين شريكه، فالوطء محرَّمٌ باتِّفاقٍ، ولا حدَّ عليه للشبهة، وكذلك الأنكحة الفاسدة كنكاح المتعة، والنكاح بلا وليٍّ ولا شهودٍ، ووطء الحائض والمعتكفة والمحْرمة، وهذا كلُّه وطءٌ محرَّمٌ لا حدَّ فيه.
          وحجَّة مالكٍ قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ} الآية[النساء:15]، وهذه فاحشةٌ، وقد بيَّن النبيُّ صلعم السبيل ما هي بالرجم، وأجمع العلماء أنَّ العقد على أمِّه وأخته لا يجوز بإجماعٍ فلا(8) شبهة فيه، وإنَّما هو قاصدٌ إلى الزنا وإسقاط الحدِّ عن نفسه بالنكاح.


[1] قوله: ((الأمة)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((فسُدَ)).
[3] في (ص): ((العرس)).
[4] في (ص): ((كتزوج)).
[5] في (ص): ((وفسخه)).
[6] في (ص): ((يعلم)).
[7] في (ص): ((علمها)).
[8] في (ص): ((ولا)).