شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب القسط للحادة عند الطهر

          ░48▒ بَاب الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ
          فيه: أُمِّ عَطِيَّةَ: (كُنَّا نُنْهى أَنْ نُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا نَكْتَحِلَ، وَلا نَطَّيَّبَ، وَلا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا في نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ). [خ¦5341]
          وترجم لحديث أمِّ عطيَّة: باب الحادَّة(1) تلبس ثياب العَصْب.
          قال ابن المنذر: أجمع العلماء غير الحسن على منع الطيب والزينة للحادَّة إلَّا ما ذكر في حديث أمِّ عطيَّة ممَّا رُخِّص لها عند الطهر من(2) المحيض في النبذة من القسط؛ لأنَّ القسط ليس من الطيب الذي منعت منه، وإنَّما تستعمل القسط على سبيل المنفعة ودفع الروائح الزفرة والنظافة، وقد رُخِّص لها في الدهن بما ليس بطيبٍ، هذا قول عطاءٍ والزهريِّ ومالكٍ والشافعيِّ وأبي ثورٍ.
          قال مالكٌ: تدَّهن المتوفَّى عنها زوجها بالزيت والشبرق(3) وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيبٌ. قال مالكٌ: وبلغني أنَّ أمَّ سلمة زوج النبيِّ صلعم كانت تقول: تجمع المرأة الحادُّة رأسها بالشبرق والزيت، وذلك ليس بطيبٍ.
          وقال عطاءٌ: تمتشط بالحنَّاء والكتم. وقال(4) مالكٌ: لا تمتشط بالحنَّاء والكتم ولا بشيءٍ ممَّا يحتمر، وإنَّما تمتشط بالسدر ونحوه ممَّا لا يحتمر في رأسها، ونهى عن الامتشاط، وكره الخضاب ابن(5) عمر وأمُّ سلمة وعروة وسعيد بن المسيِّب.
          وقال(6) ابن المنذر: ولا نحفظ عن سائر أهل العلم في ذلك خلافًا، والخضاب داخلٌ في جملة الزينة المنهيِّ عنها.
          قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنَّه لا يجوز لها اللباس المصبغة والمعصفرة إلَّا ما صبغ بالسواد، ورخَّص في السواد عروة بن الزبير ومالكٌ والشافعيُّ، وكره الزهريُّ لبس السواد، وكان عروة يقول: لا تلبس من الحمرة إلَّا(7) العصب. وقال الثوريُّ: تتَّقي المصبوغ إلَّا ثوب عصبٍ. وقال الزهريُّ(8): لا تلبس العصب، وهو خلاف للحديث.
          وكان الشافعيُّ يقول: كلُّ صبغٍ يكون زينةً ووشيٍ في الثوب كان زينةً أو تلميعٍ مثل العصب والحبرة والوشي وغيره فلا تلبسه الحادُّ، غليظًا كان أو رقيقًا، وذكر ابن الموَّاز(9) عن مالكٍ قال: تجتنب الحادَّة الصباغ(10) إلَّا السواد، فلها لبسه وإن كان حريرًا، ولا تلبس الملوَّن من الصوف وغيره، ولا أدكن ولا أخضر. وقال في «المدوَّنة»: إلَّا ألَّا تجد غيره، فيجوز لها لبسه. قال في «المدوَّنة»: ولا تلبس رقيقَ ولا عصبَ اليمن، ووسِّع في غليظه، وتلبس رقيق البياض وغليظه من الحرير والكتان والقطن.
          وقال ابن المنذر: رخَّص كلُّ من أحفظ عنه في لباس البياض. قال الأبهريُّ: وهذه الثياب التي أبيحت لها لا زينة فيها، وإنَّما هي ممنوعةٌ من الزينة والطيب دون غيرهما من اللباس.
          قال ابن المنذر: وكان الحسن البصريُّ من بين سائر أهل العلم لا يرى الإحداد، وقال: المطلَّقة ثلاثًا والمتوفَّى عنها زوجها تكتحلان وتمتشطان وتنتعلان وتختضبان وتتطيَّبان وتصنعان ما شاءا. قال ابن المنذر: وقد ثبتت الأخبار عن النبيِّ صلعم بالإحداد، وليس لأحدٍ بلغته إلَّا التسليم لها، ولعلَّ(11) الحسن لم تبلغه، أو بلغته فتأوَّل حديث أسماء بنت عميسٍ، روى حمَّاد بن سلمة، عن الحجَّاج، عن الحسن بن سعدٍ، عن عبد الله بن شَدَّاد: أنَّ أسماء بنت عميسٍ استأذنت النبيَّ صلعم أن تبكي(12) على جعفرٍ وهي امرأته، فأذن لها ثلاثة أيَّامٍ، ثمَّ بعث إليها بعد ثلاثة أيَّامٍ أن تطهَّري واكتحلي.
          قال ابن المنذر: وقد دفع أهل العلم هذا الحديث بوجوهٍ، وكان أحمد بن حنبلٍ يقول: هذا الشاذُّ من الحديث لا يؤخذ به، وقاله إسحاق. وقال أبو عبيدٍ: إنَّ أمَّهات المؤمنين اللواتي روي عنهنَّ خلافه أعلم بالنبيِّ صلعم، ثمَّ كانت أمُّ عطية تحدِّث به مفسَّرًا فيما تجتنبه الحاد في عدَّتها، ثمَّ مضى عليه السلف، وكان شعبة يحدِّث به / عن الحكم ولا يشذُّه(13).
          والنبذة: ما نبذته وطرحته من الكست في النار قدر ما يتبخَّر به.


[1] في (ص): ((الحاد)) وكذا في الموضع بعده.
[2] في (ص): ((عند)).
[3] في (ص):((الشيرج)) وكذا في الموضع بعده.
[4] في (ص): ((قال)).
[5] قوله: ((ابن)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((قال)).
[7] في (ص): ((ولا)).
[8] في (ص): ((الثوري)).
[9] في (ص): ((ابن المنذر)).
[10] في (ص): ((الحناء والصباغ)).
[11] في (ص): ((لعل)).
[12] في(ز): ((تكتحل)) والمثبت من (ص).
[13] في (ص): ((ولا يسنده)).