شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها

          ░42▒ بَاب الْمُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا في مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا(1) أَوْ تَبْذُوَ على أَهْلِه بِفَاحِشَةٍ
          فيه: عَائِشَةُ: أَنَّها أَنْكَرَتْ / ذَلِكَ على فَاطِمَةَ، وَزَادَ ابْنُ أبي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (عَابَتْ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ في مَكَانٍ وَحْش، فَخِيفَ على نَاحِيَتِهَا، وَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا رَسُول الله صلعم). [خ¦5327] [خ¦5328]
          وفي حديث أبي الزناد: أنَّ خروج فاطمة بنت قيسٍ من(2) بيت زوجها ولم تعتدَّ فيه لأنَّه كان في مكانٍ وحشٍ، فخُشِي عليها فيه.
          ولم يذكر البخاريُّ ما شرط في الترجمة من البذاء، وقد روي عن عائشة أنَّها قالت لفاطمة بنت قيس: إنَّما أخرجك هذا اللسان، وذكره إسماعيل، عن محمَّد بن إسحاق، عن محمَّد بن إبراهيم، عن عائشة.
          وقد روي مثل هذا عن ابن عبَّاسٍ قال: الفاحشة المبيِّنة: النشوز وسوء الخلق، وأن تبذو عليهم، فإذا بذت فقد حلَّ لهم إخراجها.
          وقال عِكْرِمَة: كان ابن عبَّاسٍ يقرأ بقراءة أبيِّ بن كعبٍ: ▬إلَّا أن تفحش عليكم↨.
          وروى الحارث بن أبي أسامة، عن يزيد بن هارون، عن عَمْرو بن ميمون بن مِهْرَان، عن أبيه، عن سعيد بن المسيِّب، أنَّ فاطمة استطالت على أحمائها وآذتهم بلسانها.
          وروي عن ابن عمر، أنَّه قال: خروجهنَّ من بيوتهنَّ فاحشةٌ، وهو قول الشَّعبيِّ، وروي عن ابن عبَّاسٍ: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}[الطلاق:1]، قال: الزنا، قال: فإذا زنت أخرجت فأقيم عليها الحدُّ، وهو قول زيد بن أسلم.
          قال إسماعيل بن إسحاق: ذهب كلُّ واحدٍ من هؤلاء إلى غير مذهب صاحبه، غير أنَّه إذا قيل: فاحشةٌ مبيِّنة، دلَّ أنَّه شيءٌ يكون بعضه أبين من بعضٍ، وأمَّا الزنا وغيره من الحدود فإنَّما هو حدٌّ محدودٌ إذا بلغه الإنسان كان زانيًا، وأمَّا غير ذلك من الشرِّ الذي يقع بين الرجل وامرأته فإنَّ بعضه أكثر من بعضٍ، ونحتاج فيه إلى اجتهاد الرأي، فإن كان شرًّا لا يطمع في صلاحه بينهم انتقلت المرأة إلى مسكن غيره، وأمَّا الزنا فليس فيه اجتهاد رأي.
          وأمَّا من قال: إنَّ خروجها فاحشةٌ، فهو جائزٌ في كلام العرب، غير أنَّ الأظهر أنَّ خروجها بعد(3) الفاحشة، والله أعلم بما أراد من ذلك، وليس يمكن للإنسان أن يوجب قولًا يزعم أنَّه الصواب دون غيره، وإن كان ما حكي من قراءة أبيِّ بن كعبٍ محفوظًا فهو حجَّةٌ قويَّةٌ.
          وما رواه البخاريُّ عن عائشة: (أَنَّها كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ، فَخِيفَ عَلَيهَا)، فيشبه قول مالكٍ وغيره في البدويَّة المعتدَّة أنَّها تتبوَّأ مع أهلها حيث تبوَّؤا.
          قال المُهَلَّب: وإن صحَّت الرواية أنَّها أُخرجت من أجل البذاء، ففيه دليلٌ أنَّه يجوز إخراج الرجل البذيء المؤذي لجيرانه بأذاه وتباع الدار عليه ويسقط حقُّ سكناه.


[1] قوله: ((عليها)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((وَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا لله.... بنت قيس من)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((غير)).