شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله}

          ░43▒ بَاب قَولِهِ ╡: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أَرْحَامِهِنَّ}[البقرة:228]يريد مِنَ الْحَيْضِ وَالحملِ(1)
          فيه: عَائِشَةُ: (لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يَنْفِرَ إِذَا صَفِيَّةُ على بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ: ما لَهَا(2) عَقْرَى _أَوْ حَلْقَى_ إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا؟ أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: فَانْفِرِي إِذًا). [خ¦5329]
          روي(3) عن السلف في تفسير هذه الآية قال أبيُّ بن كعبٍ: إنَّ من الأمانة أنَّ المرأة ائتُمِنت على فرجها. وقال ابن عبَّاسٍ وابن عمر: لا يحلُّ لها إن كانت حاملًا أن تكتم حملها، ولا يحلُّ لها إن كانت حائضًا أن تكتم حيضها، يعني المطلَّقة(4).
          قال ابن شهابٍ: لتنقضي العدَّة، فلا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له. قال مجاهدٌ: وذلك كلُّه في بغض المرأة زوجها وجيهٌ.
          وقال قَتادة: كانت(5) المرأة تكتم حملها، فتذهب به إلى أجلٍ آخر مخافة الرجعة، فنهى الله ╡ عن ذلك، وتقدَّم فيه.
          قال إسماعيل بن إسحاق: وهذه الآية تدلُّ أنَّ المرأة المعتدَّة مؤتمنةٌ على رحمها من الحيض والحمل، فإن قالت: قد حضت، كانت مصدَّقةً، وإن قالت: قد ولدت، كانت مصدَّقةً، إلَّا أن تأتي من ذلك بما يُعرَف(6) كذبها فيه، وكذلك كلُّ مؤتمنٍ فالقول(7) قوله، قال الله تعالى في آية الدَّين: {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا}[البقرة:282]، فوُعِظ الذي عليه الحقُّ حين جعل القول قوله كما وَعِظت المرأة حين جعل القول قولها، وقول أبيِّ بن كعبٍ يدلُّ على ذلك.
          وقال سليمان بن يسارٍ: / لم يؤمر أن تفتح النساء فينظر إلى فروجهن ليعلم صدق قولهنَّ، ولكن وُكِل ذلك إليهنَّ إذا كنَّ مؤمنات.
          قال المُهَلَّب: وحديث عائشة شاهدٌ لتصديق النساء فيما يدَّعينه من الحيض والحمل دون شهادة القوابل، وكذلك الإماء، ألا ترى أنَّ النبيَّ صلعم أراد أن يحبس المسلمين كلَّهم بما ذكرت صفيَّة من حيضتها ولم يمتحن ذلك عليها ولا أكذبها، وقد تقدَّم في كتاب الحيض اختلاف أهل العلم في أقلِّ ما تُصَدَّق فيه المرأة من انقضاء عدَّتها. [خ¦325]


[1] في (ص): ((الحمل والحيض)).
[2] في (ص): ((فقال لها)).
[3] في (ص): ((وروي)).
[4] قوله: ((يعني المطلقة)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((فكانت)).
[6] في (ص): ((يعرفها)).
[7] في (ص): ((والقول)).