شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: السفر قطعة من العذاب

          ░19▒ باب: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ، ◙: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ). [خ¦1804]
          فيه: حضٌّ وندب على سرعة رجوع المسافر إلى أهله عند انقضاء حاجته، وقد بيَّن ◙ المعنى في ذلك بقوله: (يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ َنَوْمَهُ وطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) فامتناع هذه الثَّلاثة التي هي أركان الحياة مع ما ينضاف إليها من شقَّة السَّفر وتعبه، هو العذاب الى أشار إليه، ولذلك قال ◙: (فَإِذَا قَضَى أحدكم نَهْمَتَهُ فليرجع إلى أَهْلِهِ) لكي يتعوِّض من ألم ما ناله، من ذلك الرَّاحة والدَّعة في أهله، والعرب تشبِّه الرَّجل في أهله بالأمير، وقيل في قوله: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا}[المائدة:20]قال: من كان له دار وخادم فهو داخل في معنى الآية.
          وقد أخبر الله تعالى بلطف محلِّ الأزواج من أزواجهنَّ بقوله: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:21]فقيل: المودَّة: الجماع، والرَّحمة: الولد.
          فإن قيل: فقد روى ابن عمر وابن عبَّاس، عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((سافروا تصِحُّوا وتغنموا)) وهو مخالف لحديث أبي هريرة.
          قيل: لا خلاف بين شيء من ذلك، وليس كون السَّفر قطعة من العذاب بمانع أن يكون فيه منفعة ومصحَّة لكثير من النَّاس؛ لأنَّ في الحركة والرِّياضة منفعة، ولا سيَّما لأهل الدَّعة والرَّفاهية، كالدَّواء المرّ المُعْقِب للصَّحة وإن كان في تناوله كراهية، فلا خلاف بين الحديثين.
          قال أبو محمَّد الأَصيلي: انفرد مالك بهذا الحديث عن سُمَيٍّ وقال: هؤلاء أهل العراق يسألونني عنه. قيل له: لأنَّك انفردت به. قال: لو أعلم أنِّي انفردت به ما حدَّثت به.