شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي

          ░7▒ باب: الاعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (خَرَجْنَا مَعَ الرَّسولِ مُوَافِينَ لِهِلالِ ذي الْحَجَّةِ، فَقَالَ، ◙: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، أَرْسَلَ مَعِي عَبدَ الرَحْمَنِ إلى التَّنْعِيمِ، فَأَهَلَلْتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا صَوْمٌ). [خ¦1786]
          قال المُهَلَّب: قولها: (خَرَجْنَا مَعَ الرَّسولِ مُوَافِينَ لِهِلالِ ذي الْحَجَّةِ) إنَّما هو بمعنى المقاربة؛ لأنَّه قد صحَّ عنها أنَّها قالت: ((خرجَنا مع رسول الله لخمسٍ بقينَ من ذي القَعدةِ)) والخمس قريب من آخر الشَّهر، فوافاهم الهلال في الطَّريق، وقولها: (فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ) وقالت في رواية القاسم: ((وطهرت حين قدمنا منى، صبيحةَ ليلة عرفة يوم النَّحر بمنى)) وقولها: (لَمْ يَكُنْ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ) لأنَّ عمرتها بعد انقضاء عمل الحجِّ. ولا خلاف بين العلماء أنَّ من اعتمر بعد انقضاء عمل الحجِّ وخروج أيَّام التَّشريق أنَّه لا هدي عليه في عمرته؛ لأنَّه ليس بمتمتِّع، وإنَّما المتمتِّع من اعتمر في أشهر الحجِّ وطاف لعمرته قبل الوقوف بعرفة، وأمَّا من اعتمر بعد يوم النَّحر فقد وقعت عمرته في غير أشهر الحجِّ، فلذلك ارتفع حكم الهدي عنها، والصَّحيح من قول مالك أنَّ أشهر الحجِّ: شوَّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجَّة.
          ولم يكن عليها أيضًا في حجَّتها هدي؛ لأنَّها كانت مفردة على ما روى عنها القاسم والأسود وعمرة، ولم يأخذ مالك بقولها في آخر الحديث: (وَلَمْ يَكُنْ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ) لأنَّها كانت عنده في حكم القارنة، ولزمها لذلك هدي القران، ولا أخذ بذلك أبو حنيفة أيضًا؛ لأنَّها كانت عنده رافضةً لعمرتها، والرَّافضة عنده عليها دم للرَّفض، وعليها عُمْرة.
          وقوله: (فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ في ذلك هَدْيٌ ولا صَوْمٌ ولا صَدَقَةٌ) ليس من لفظ عائشة، وإنَّما هو لفظ هشام بن عروة، لم يذكر ذلك أحد غيره، ولا تقول به الفقهاء، وقد تقدَّم مذاهب الفقهاء في قوله: (انْقُضِي رَأْسَكِ / وَامْتَشِطِي) في باب كيف تهلُّ الحائض والنُّفساء. فأغني عن إعادته.