عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الشرب في الأقداح
  
              

          ░29▒ (ص) بَابُ الشُّرْبِ فِي الأَقْدَاحِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان جواز الشرب في الأقداح، وهو جمع (قدح)، وقال في «المغرب»: القَدَح _بفتحتين_ الذي يُشرَب به، وقال بعضهم: لعلَّه أشار إلى أنَّ الشرب فيها وإن كان مِن شعار الفَسَقَة لكنَّ ذلك بالنظر إلى المشروب وإلى الهيئة الخاصَّة.
          قُلْت: هذا كلامٌ غير مستقيمٍ، وكيف يقول: إنَّ الشرب فيها مِن شعار الفسقة، وقد وضع البُخَاريُّ عقيب هذا: (باب الشرب مِن قدح النَّبِيِّ صلعم ) ؟ وذكر فيه: أنَّ للنَّبيِّ صلعم قَدَحًا كان عند أنسٍ، على ما يأتي الآن، وذكروا أيضًا: أنَّهُ كان للنَّبيِّ صلعم قَدَحٌ يقال له: الرَّيَّان، وآخر يقال له: المُغِيث، وآخر مضبَّبٌ بثلاث ضبَّاتٍ مِن فضَّة، [وقيل: مِن حديدٍ، وفيه حلقةٌ يُعلَّق بها، أصغر مِن المُدِّ، وأكبر مِن نصف المُدِّ، وعن عاصمٍ قال: رأيت عند أنسٍ قَدَح النَّبِيِّ صلعم فيه ضبَّة مِن فضَّة]، رواه الإمام أحمد، وفي رواية البَيْهَقيِّ: وكان قد انصدع، فَسَلْسَلَه مِن فضَّةٍ، قال: وهو قَدَحٌ عريضٌ مِن نُضار، والقَدَح الذي يشرب به الفَسَقة معلومٌ بين الناس أنَّهُ مِن زجاجٍ ومِن بلَّورٍ ومِن فضَّةٍ ونحوها، وكانت أقداح النَّبِيِّ صلعم كلُّها مِن جنس الخشب.
          فَإِنْ قُلْتَ: روى البَزَّار مِن حديث ابن عَبَّاسٍ: أنَّ المقوقس أهدى إلى رسول الله صلعم قَدَح قوارير فكان يشرب منه؟
          قُلْت: هذا حديثٌ ضعيفٌ، ولئن سلَّمنا صحَّته فنقول: لم يكن شربُ النَّبِيِّ صلعم منه مثلَ شربِ غيرِه مِنَ المترفين، ولا شرابه مثل شرابهم.