عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: الخمر من العسل وهو البتع
  
              

          ░4▒ (ص) بابٌ: الْخَمْرُ مِنَ الْعَسَلِ، وَهْوَ الْبِتْعُ.
          (ش) الكلام فيه مثل الكلام في (باب الخمر مِنَ العنب) في الوجوه التي ذكرناها.
          قوله (وَهُوَ الْبِتْعُ) بكسر الباء المُوَحَّدة وسكون التاء المُثَنَّاة مِن فوق وبالعين المُهْمَلة، قال القزَّاز: هو متَّخذ مِن عسل النحل، صلبٌ، يُكرَه شربه؛ لدخوله في جملة ما يُكره مِنَ الأشربة؛ لفعله وصلابته، وفي كتاب «الواعي»: صلابته كصلابة الخمر، وقال أبو حنيفة: البِتْع خمر يمانية، فأهل اليمن يفتحون تاءه، وقال ابن مُحَيْرِيز: سمعتُ أبا موسى يخطب على منبر البصرة: ألا إنَّ خمر أهل المدينة البسر والتمر، وخمر أهل فارس العنب، وخمر أهل اليمن البِتع، وخمر الحبش السُّكَرْكَة وهو الأرزُّ.
          (ص) وَقَالَ مَعْنٌ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الْفُقَّاعِ، فَقَالَ: إِذَا لَمْ يُسْكِرْ فَلَا بَأْسَ، وَقَالَ ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ: سَأَلْنَا عَنْهُ فَقَالُوا: لَا يُسْكِرُ، لَا بَأْسَ بِهِ.
          (ش) (مَعْنٌ) بفتح الميم وسكون العين المُهْمَلة وبالنون، ابن عيسى القزَّاز؛ بالقاف وشدَّة الزاي الأولى، قال ابن سعدٍ: مات بالمدينة في شوَّال سنة ثمانٍ وتسعين ومئة.
          وقال صاحب «التلويح»: هذا التعليق أخذه البُخَاريُّ عَن معنٍ [مذاكرةً فيما قاله بعض العلماء.
          قُلْت: كيف يُتصوَّر أخذُ البُخَاريِّ مِن معنٍ]
ومولدُه في شوَّال سنة أربع وتسعين ومئة وكان عمره يوم مات معن أربع سنين؟! وكأنَّه غرَّه ما حكاه ابن الصلاح في تعاليق البُخَاريِّ عن شيوخه مطلقًا، لا في خصوص هذا الأثر، وأراد بـ(بعض العلماء) ابن الصلاح، وأبعد صاحب «التوضيح» حيث قال: أخذ البُخَاريُّ هذا التعليق عَن معنٍ مذاكرة، وهو قلَّد صاحب «التلويح» وزاد في البعد مسافةً.
          قوله: (عَنِ الفُقَّاعِ) بِضَمِّ الفاء وتشديد القاف وبالعين المُهْمَلة، قال الكَرْمَانِيُّ: المشروب المشهور.
          قُلْت: الفُقَّاع لا يُشرَب، بل يُمصُّ مِن كوزه، وقال بعضهم: الفُقَّاع معروف، قد يُصنَع مِنَ العسل، وأكثر ما يُصنَع مِنَ الزبيب.
          قُلْت: لم يقل أحدٌ: إنَّ الفُقَّاع يصنع مِنَ العسل، بل أهل الشام يصنعونه مِنَ الدِّبس، وفي عامَّة البلاد ما يُصنَع إلَّا مِنَ الزبيب المدقوق، وحكم شربه ما قاله مالك: إنَّه إذا لم يُسكر لا بأسَ به، والفُقَّاع لا يُسكَر، نعم؛ إذا بات في إنائه الذي يضعونه فيه ليلةً في الصيف أو ليلتين في الشتاء؛ يشتدُّ جدًّا، ومع هذا لا يُسكر، وقد سُئل بعض مشايخنا: ما قول السادة العلماء في فُقَّاع متَّخذ مِن زبيب، بحيث إنَّهُ إذا قُلِعَ سدادُ كوزه لا يبقى فيه شيء مِن شدَّته يخرج وينتثر؟ فقال: لا بأس به، والله أعلم، وأَمَّا إذا صار بحالٍ بحيث إنَّهُ يُسكِر مِن شدَّته؛ فيحرم حينئذٍ، قليلًا أو كثيرًا.
          قوله: (وَقَالَ ابِنُ الدَّرَاوَرْدِيُّ) هو عبد العزيز بن مُحَمَّد، وهذا مِن رواية معنِ بن عيسى عنه أيضًا، والظاهر أنَّ ابن الدراورديِّ سأل عَن فقهاء أهل المدينة في زمانه، وهو قد شارك مالكًا في لقاء أكثر مشايخه المَدَنِيِّين.