عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام
  
              

          5570- (ص) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ ♦ قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهَا، فَنَقْدَمُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلعم بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ نُطْعِمَ مِنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
          (ش) مطابقته للترجمة تُؤخَذ مِن قوله: (وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ...) إلى آخره.
          و(إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) هو ابن أبي أُوَيسٍ، وأبو أُوَيسٍ اسمه عبد الله، و(أخوه) أبو بكرٍ عبد الحميد، و(سُلَيْمَانُ) / هو ابن بلالٍ، و(يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هو الأنصاريُّ.
          والحديث مِن أفراده.
          قوله: (الضَّحِيَّةُ) بفتح الضاد المُعْجَمة وكسر الحاء.
          قوله: (مِنْهَا) رواية الكُشْميهَنيِّ؛ أي: مِنَ الضَّحيَّة، وفي رواية غيره: <منه> أي: مِن لحم الضحيَّة.
          قوله: (فَنَقْدَمُ) بفتح النون وسكون القاف، مِنَ القدوم، وفي رواية: <فنُقَدِّم > بِضَمِّ النون وفتح القاف وتشديد الدال، مِنَ التقديم؛ أي: نضعُ بين يديه، قيل: هذا أوجهُ.
          قوله: (لَا تَأْكُلُوا) أي: منه، هذا صريحٌ في النهي عنه.
          فَإِنْ قُلْتَ: وقع في رواية التِّرْمِذيِّ مِن طريق عابس بن ربيعة عن عائشة: أنَّها سُئِلَت: أكان رسول الله صلعم نهى عن لحوم الأضاحي؟ فقالت: لا، وبين الروايتين منافاةٌ.
          قُلْت: لا منافاة؛ لأنَّها نفت نهي التحريم، لا مطلق النهي، ويؤيِّده قوله في هذه الرواية: (وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ نُطْعِمَ مِنْهُ) بِضَمِّ النون وسكون الطاء؛ أي: نُطِعَم منه غيرَنا.
          ومعنى قوله: (لَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ) أي: ليس النهي للتحريم، [ولا تركُ الأكل بعد الثلاثة واجبًا، بل كان غرضه أن يُصرَف شيءٌ منه إلى الناس.
          واختلفوا في هذا النهي؛ فقال قومٌ: هو منسوخٌ مِن باب نسخ السُّنَّة بالسُّنَّة، وقال آخرون: كان النهي للكراهة لا للتحريم]
، والكراهة باقيةٌ إلى اليوم، وقال آخرون: كان التحريم لعلَّةٍ، فلمَّا زالت تلك العلَّة زال الحكم، وجاء في رواية مسلمٍ مِن حديث عبد الله بن واقدٍ قال: نهى رسول الله صلعم ، عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثٍ، إلى أن قالوا: نهيتَ أن تُؤكَل لحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، فقال: «إِنَّما نهيتكم مِن أجل الدَّافَّة التي دفَّت، فكلوا وادَّخروا وتصدَّقوا»، وقال الخَطَّابيُّ: الدَّفُّ _بالدال المُهْمَلة والفاء الثقيلة_ السير السريع، والدَّافَّة: مَن يطرأ مِنَ المحتاجين، وقال ابن الأثير: الدافَّة: قومٌ مِنَ الأعراب يرِدُونَ المِصر؛ يريد: أنَّهم قومٌ قدموا المدينة عيد الأضحى، فنهاهم عن ادِّخار لحوم الأضاحي؛ ليفرِّقوها ويتصدَّقوا بها، فينتفع هؤلاء القادمون بها.
          فَإِنْ قُلْتَ: قوله صلعم : «كلوا» يدلُّ على إيجاب الأكل منها.
          قُلْت: قال الطَّبَريُّ ☼: هو أمرٌ بمعنى الإطلاق والإذن للآكل، لا بمعنى الايجاب، ولا خلاف بين سلف الأئِمَّة وخلفها أنَّ المضحِّي غير حَرِجٍ بتركه الأكل مِن أضحيته ولا آثمٍ، فدلَّ ذلك على أنَّ الأمر بمعنى الإذن والإطلاق، وقال ابن التين: لم يختلف المذهب أنَّ الأكل غير واجبٍ، خلاف ما ذكره القاضي أبو مُحَمَّدٍ عن بعض الناس: أنَّهُ واجبٌ، وقال ابن حزمٍ: فرضٌ على كلِّ مضحٍّ أن يأكل مِن أضحيته ولو لقمةً فصاعدًا.