عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب سنة الأضحية
  
              

          ░1▒ (ص) باب سُنَّةِ الأُضْحِيَّةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان سُنَّة الأضحية، وهو مِن باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ مثل: (جرد قطيفةٍ) أي: القطيفة التي انجرد خملُها أوخَلَقَت.
          (ص) قَالَ ابنُ عُمَرَ ☻: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ.
          (ش) أي: قال عبد الله بن عُمَر بن الخَطَّاب ☻: الأضحية سُنَّة.
          قوله: (وَمَعْرُوفٌ) (المعروف) اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرِفَ مِن طاعة الله ╡ ، والتقرُّب إليه، والإحسان إلى الناس، وكلُّ ما نَدَب إليه الشرع، ونهى عنه مِنَ المحسَّنات والمقبَّحات، وهو مِنَ الصفات الغالبة؛ أي: أمرٌ معروفٌ بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه.
          واختلفوا فيها؛ فقال سعيد بن المُسَيَِّبِ وعطاء بن أبي رَبَاحٍ وعلقمة والأسود والشَّافِعِيُّ وأبو ثورٍ: لا تجب فرضًا، لكنَّه مندوب إليه، مَن فعله كان مُثابًا، ومن تخلَّف عنه لا يكون آثمًا، ورُوِيَ ذلك عَن أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدريِّ وبلال، وقال الليث وربيعة: لا نرى أن يترك الموسِر المالك لأمر الضحيَّةِ الضحيَّةَ، وقال مالكٌ: لا يتركها، فإن تركها بئس ما صنعَ! إلَّا أن يكون له عذرٌ، وحُكيَ عن النَّخَعِيِّ أنَّهُ قال: الأضحى واجبٌ على أهل الأمصار ما خلا الحُجَّاج، وقال ابن المنذر: وقال مُحَمَّد بن الحسن: الأضحى واجبٌ على كلِّ مقيمٍ في الأمصار إذا كان موسرًا، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تجب على الحرِّ المقيم المسلم الموسِر، وتخصيصُ ابن المنذر بقول مُحَمَّدٍ وحده لا وجه له، وتحرير مذهبنا ما قاله صاحب «الهداية»: الأضحية واجبةٌ على كلِّ حرٍّ مسلمٍ مقيمٍ موسرٍ في يوم الأضحى عَن نفسه وعَن ولده الصغار، أَمَّا الوجوب فقولُ أبي حنيفة ومُحَمَّد وزفر والحسن، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعن أبي يوسف: أنَّها سُنَّة، وذكر الطَّحَاويُّ أنَّ على قولِ أبي حنيفة واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومُحَمَّد سنَّة مؤكَّدة، وجه السُّنيَّة ما رواه الجماعة غير البُخَاريِّ عن سعيد بن المُسَيَِّبِ عن أمِّ سلمة عنِ النَّبِيِّ صلعم : «مَن رأى هلال ذي الحجَّة منكم، وأراد أن يضحِّي؛ فليُمسِك عَن شعره وأظفاره» والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب، وبهذا استدلَّ ابن الجوزيِّ في «التحقيق» لمذهب أحمد، ووجه الوجوب ما رواه ابن ماجه عَن عبد الرَّحْمَن / الأعرج عَن أبي هُرَيْرَة قال: قال رسول الله صلعم : «مَن كان له سَعةٌ ولم يضحِّ؛ فلا يقربنَّ مُصلَّانا» وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ومثلُ هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب، وذكر ابن حزمٍ عن أبي حنيفة أنَّهُ قال: هي فرض.