عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام
  
              

          3770- (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن: أنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ».
          (ش) مطابقته للترجمة ظاهرةٌ.
          و(عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) ابن يحيى، أبو القاسم القرشيُّ العامريُّ الأُويسيُّ المَدنيُّ، و(مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) ابن أبي كثير، و(عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن) ابن مَعْمَر بن حزم، أبو طوالة الأنصاريُّ.
          والحديث أخرجه البُخَاريُّ أيضًا في (الأطعِمة) عن عَمْرو بن عَوْن ومسدَّد، وأخرجه مسلمٌ في (الفضائل) عنِ القَعْنَبيِّ، وعن يحيى ابن يحيى وقُتيبة وعليِّ بن حُجْرٍ، وأخرجه التِّرْمِذيُّ في (المناقب) عن عليِّ بن حُجْرٍ، وأخرجه النَّسائيُّ في (الوليمة) عن إسحاق بن إبراهيم، وأخرجه ابن ماجه في (الأطعِمة) عن حَرمَلة بن يحيى.
          قوله: (الثَّرِيدِ) في الأصل: الخُبز المكسور، يقال: ثَرَدتُ الخبزَ ثَرْدًا؛ أي: كسرتُه، فهو ثريدٌ ومَثرودٌ، والاسم: الثُّردة؛ بالضمِّ، وقال ابن الأثير في شرح هذا الموضع: قيل: لم يُرِدْ عينَ الثريد، وإِنَّما أراد الطعامَ المتَّخَذَ مِنَ اللحم والثَّريدِ معًا؛ لأنَّ الثريدَ غالبًا لا يكون إلَّا مِن لحمٍ، والعربُ قلَّما تجد طبيخًا، ولا سيَّما بلحمٍ، ويقال: الثَّريد: أَحَدُ اللَّحمَينِ، بلِ اللذَّة والقوَّة إذا كان اللحمُ نَضيجًا في المَرَق أكثرُ مِمَّا في نفس اللَّحم، انتهى.
          قُلْت: عُلِمَ مِن هذا أنَّ الثريدَ طعامٌ مُتَّخَذٌ مِنَ اللحم، يكون فيه خبزٌ مكسورٌ، فلا يُسمَّى اللحمُ المطبوخ وَحْدَه بدون الخبزِ المكسور ثَريدًا، ولا الخبزُ المكسورُ وحده بدون اللَّحمِ ثَريدًا.
          والظاهر أنَّ فضل الثريد على الطعام إِنَّما كان في زمنِهم؛ لأنَّهم قلَّما كانوا يجدون الطَّبيخ، ولا سيَّما إذا كان باللَّحم، وأَمَّا في هذا الزمان؛ فأطعمةٌ معمولةٌ مِن أشياء كثيرةٍ متنوِّعةٍ، فيها مِن أنواع اللُّحوم، ومَعَها أنواعُ الخبز الحُوَّارى، فلا يقال: إنَّ مجرَّد اللَّحم مع الخبز المكسور أفضلُ مِن هذه الأطعمةِ المختلفة الأجناسِ والأنواع، وهذا ظاهرٌ لا يخفى.