عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب مناقب علي بن أبي طالب
  
              

          ░9▒ (ص) بَابٌ مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ ☺ .
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ مناقبِ عليِّ بن أبي طالبِ بن عبد المطَّلبِ، المكنَّى بأبي الحَسَنِ، كنَّاه بذلك أهلُهُ، وكنَّاه رسولُ الله صلعم بأبي تُرَابٍ لمَّا رآه في المسجد نائمًا، ووجد رداءَه قد سقطَ عن ظهره، وخلص إليه التُـَرابُ، كما رواه البُخَاريُّ مِن حديث سهل بن سعدٍ في (أبواب المساجدِ)، وهنا أيضًا، يأتي عن قريبٍ، وروى ابن إسحاقَ أنَّهُ صلعم قال له ذلك في غزوة العسيرة، وصحَّحه الحاكم، وقال ابن إسحاق: (حدَّثني بعضُ أهل العلمِ: أنَّهُ صلعم إِنَّما سمَّاه بذلك؛ أنَّه كان إذا عاتبَ عليٌّ فاطمةَ ♦ في شيء؛ يأخذُ ترابًا فيضعه على رأسه، فكان صلعم إذا رأى الترابَ؛ عرفَ أنَّهُ عاتِبٌ على فاطمةَ، فيقول: «ما لك يا أبا تراب؟»، وأُمُّ عليٍّ ♦ فاطمةُ بنتُ أسدِ بنِ هاشم، وهي أَوَّل هاشميَّة ولدت هاشميًّا، أسلمت وصحِبَت، مِن كبار الصحابيَّات، وماتت في زمن النَّبِيِّ صلعم .
          (ص) وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ».
          (ش) هذا التَّعليقُ طَرَفٌ مِن حديث البراء بن عازب أخرجه مُطوَّلًا في (باب عمْرةِ القضاء) على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وفيه قال لعليٍّ: «أنت منِّي وأنا منك»، وقال لجعفرٍ: «أشبهت خَلْقِي وخُلُقِي»، وقال لزيدِ: «أنت أخونا ومولانا».
          قوله: (أَنْتَ) مُبتدَأٌ، و(مِنِّي) خبرُهُ، ومُتعلَّق الخبرِ خاصٌّ، وكلمة (مِن) هذه تسمَّى بـ(مِن) الاتِّصاليَّة، ومعناه: أنت مُتَّصِلٌ بي، وليس المرادَ به اتِّصالُهُ مِن جهة النُّبوَّة، بِل من جهة العلم والقُرب والنَّسب، وكان أبُ النَّبِيِّ صلعم شقيقَ أبِ عليٍّ ☺ ، وكذلك الكلامُ في قوله: (وَأَنَا مِنْكَ) وفي حديث آخرَ: «أنت منِّي بمنزلة هارونَ مِن موسى»، ومعناه: أنت مُتَّصلٌ بي ونازِلٌ منِّي منزلةَ هارونَ مِن موسى، وفيه تشبيهٌ، ووجهُ التَّشبيهِ مُبْهَمٌ، وبيَّنه بقوله: «إلَّا أنَّهُ لا نبيَّ بعدِي»؛ أنَّ اتِّصاله ليسَ مِن جهة النُّبوَّة، فبقي الاتِّصالُ مِن جهةِ الخلافةِ؛ لأنَّها تلي النُّبوَّةَ المرتَّبةَ، ثُمَّ إنَّها إمَّا أن تكونَ في حياتِهِ أو بعدَ مماتِه، فخرج بعدَ مماتِهِ؛ لأنَّ هارونَ مات قبلَ موسى، ♂ ، فتبيَّن أن تكونَ في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك؛ لأنَّ هذا القولَ مِنَ النَّبِيِّ صلعم كان مخرجُه إلى غزوةِ تبوكَ، وقد خلَّف عليًّا على أهله وأمرَهُ بالإقامة فيهم.
          وهذا الحديث أخرجه التِّرْمِذيُّ مِن حديث عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ بلفظ: «إنَّ عليًّا منِّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي»، ثُمَّ قال: حَسَنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا مِن حديث جعفر بن سليمانَ، وأخرجه أبو القاسمِ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ البِصْريُّ في «فضائل الصحابة» مِن حديث بريدة مُطوَّلًا: قال النَّبِيُّ صلعم لي: «لا تقع في عليٍّ؛ فإنَّ عليًّا منِّي وأنا منه»، ومن حديث الحكمِ بنِ عطيَّة: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ وجعفرًا وزيدًا دخلوا على رسولِ اللهِ صلعم ، فقال: «أَمَّا أنت يا جعفر؛ فأشبهَ خَلْقَكَ خَلْقِي، وأنت يا عليُّ؛ فأنت منِّي وأنا منك»، وفي حديث أبي رافع: (فقال جبريل ◙ : وأنا منكما يا رسولَ الله).
          (ص) وَقَالَ عُمَرُ / ☺ : تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ.
          (ش) هذا التَّعليقُ تَقَدَّمَ قريبًا في (وفاة عمرَ ☺ ) مسندًا عندَ قوله: (ما أَحَدٌ أَحَقُّ بهذا الأمرِ مِن هؤلاءِ النَّفَرِ أو الرَّهطِ الذين تُوُفِّي رسولُ الله صلعم وهو عنهم راضٍ، فسمَّى عليًّا...) ؛ الحديث.