مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب صفة الجنة والنار

          ░51▒ باب صفة الجنة والنار
          وقال أبو سعيد قال النبي صلعم: ((أول طعام يأكله أهل الجنة)) الحديث وسلف قريباً في باب: يقبض الله الأرض.
          ثم ساق أحاديث:
          1- حديث عمران بن حصين: ((اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء)) الحديث، وسلف.
          ومعنى (اطلعت): أشرفت عليها من علية.
          2- حديث أسامة، عن رسول الله: ((قمت على باب الجنة فكان عامة من يدخلها)) الحديث.
          قال الداودي: وهذا الوقوف في الدنيا، إما ليلة أسري به، أو حين خسفت الشمس.
          قوله: (وأصحاب الجد محبوسون) أي: موقوفون. يعني: أصحاب المال والبخت، وهو بفتح الجيم، والمعني به من فاخر بماله وكاثر أو لم يؤد منه الواجب عليه.
          وفيه: فضل الفقر، وقد سلف ما فيه.
          3- حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلعم: ((إذا صار أهل الجنة)) الحديث.
          قوله: (ثم يذبح) أي: يجعل الله الصفة شخصاً يراها العباد عند القبض، ويعرفونها إذا رأوها في المعاد.
          4- حديث أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلعم: ((إن الله يقول لأهل الجنة، يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا)) الحديث.
          5- حديث أنس في قصة حارثة، سلف في بدر سنداً ومتناً، وقيل أن يقع للبخاري أن يعيد حديثاً بسنده ومتنه سواء، نعم ذكره في الجهاد بسند آخر إلى أنس، وكذا في الثالث.
          6- حدثنا معاذ بن أسد، بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلعم قال: ((ما بين منكبي الكافر)) الحديث.
          قال الجياني: كذا روي هذا الإسناد / عن أبي زيد وأبي أحمد الفضيل غير منسوب، ونسبه ابن السكن: ابن غزوان، وكان أبو الحسن يقول: هو الفضيل بن عياض. وهو وهم، والصواب ما قاله ابن السكن، وفضيل بن عياض، لا رواية له عن أبي حازم الأشجعي، ولا أدركه، وليس لابن عياض ذكر في الجامع إلا في موضعين من كتاب التوحيد.
          7- وقال إسحاق بن إبراهيم، بسنده عن سهل بن سعد، عن رسول الله قال: ((إن في الجنة لشجرة)) الحديث وسلف في صفة الجنة من حديث أنس وأبي هريرة.
          قوله: (ما يقطعها) يريد: تحت ما يميل من أغصانها؛ لأنه ليس في الجنة شمس. والجواد يقال للذكر والأنثى، من خيل جياد، وأجواد، وأجاويد، يقال: جاد الفرس: إذا صار رابعاً.
          وقال ابن فارس: الجواد: الفرس السريع. والمضمر من الخيل أن يعلف حتى يسمن ثم يرده إلى القوت، وذلك في أربعين ليلة، وهذه المدة تسمى المضمار، قاله الجوهري.
          وعبارة الداودي: هو الذي يدخل في بيت، ويجعل عليه أجلة، ويقل علفه؛ لينتقص من لحمه شيئاً، فيزداد جريه ويؤمن عليه أن يسبق، قال: وكان للخيل المضمرة على عهد رسول صلعم سبعة أميال في السبق، وما لم يضمر ميل.
          8- حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلعم قال: ((ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا)) الحديث سلف في صفة الجنة من بدء الخلق.
          9- حديث سهل، عن النبي صلعم قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرف)) الحديث.
          ومعنى: (يتراءون الغرف) أي: بعضهم أعلى من بعض، وغرف كل قوم فوق غرفهم ليس أحد تحت أحد، قاله الداودي.
          قوله: (الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي) كذا هو في (خ).
          قال ابن التين: وفيه نظر؛ لأن الناحية الشرقية [ليس] يكون الغروب فيها، إنما يكون فيها المطلع، وفي رواية أبي ذر: ((الغابر)): أي الباقي، وهذا يصح أن يكون معناه: الباقي لم يستر عن الأبصار، وفي رواية الأصيلي ((العازب)) بعين مهملة، ثم زاي: أي: المنفرد.
          وحديث أنس الذي أسلفه: ((لأهون أهل النار عذابا)).. الحديث.
          ومعنى (أردت منك أهون من هذا) أي: أمرتك فلم تفعل؛ لأنه سبحانه لا يكون إلا ما يريد من الخلق شيئاً إلا ما هم عليه.
          فإن قلت: كيف يصح أن يأمر بما لا يريد؟ قيل: لا يمتنع ذلك ولا يستحيل، بل قد يوجد ذلك في الواحد منا، وذلك أن الأمر إذا عاتب امرأً على ضرب عبده، فيقال: إني أمرته فلا يمتثل، فيجب أن يوضح له حقيقة ذلك؛ خشية أن يعاقبه، فإذا حضر العبد قال: افعل كذا، وهو لا يريد بفعله لتصدق مقالته، وذلك مقرر في الأصول.
          10- حديث جابر أن النبي صلعم قال: ((يخرج قوم من النار)) الحديث.
          (الثعارير) بمثلثة ثم عين مهملة ثم ألف ثم راء ثم مثناة تحت، وهي: رءوس الطراثيث، تكون بيضا، شهوة في البياض بها، واحدها: طرثوث، وهو نبت يؤكل، وقال ابن الأعرابي: الثعرور: قثاء صغار، وهي: الضغابيس بضاد وغين معجمتين، ثم ألف ثم موحدة، ثم مثناة تحت، ثم سين مهملة قلت: شبهوا بها لسرعة نموها. قال ابن فارس: ويشبه الرجل الضعيف به، فيقال: ضغبوس. وذكر عن الخليل أنها صغار القراد.
          وقال الداودي: إنه طير ضعيف فوق الذباب. وذكر عن ((غريب الحديث)) للحربي أنها ثمر على طول الإصبع. وقال غيره: نبت ضعيف.
          قال في ((الغريبين)): وفي الحديث: لا بأس باجتناء الضغابيس في الحرم. قال الأصمعي: هو نبت يشبه الهليون يسلق ويجعل بالخل والزيت ويؤكل. قال الخطابي: يقال إنها هناة تنبت في أصول اليمام طوال رخصة تؤكل. وعن القابسي: الذي سمعت في الثعارير أنها الصدف التي تخرج من البحر فيها الجوهر. وقال الجوهري: هي الثعار الثآليل، وحمل الطراثيث أيضاً، قال: والثعروران: مثل الحلمتين يكتنفان القنب من خارج، قال: والقنب وعاء قضيب الفرس وغيره من ذوات الحافر. / وقال ابن فارس: الثعروران كالحلمتين، يكتنفان ضرع الشاة.
          قوله: (وكان قد سقط فمه) النحويون ينكرون اجتماع الميم مع الفم إلى المضمر، ويرون أنه غير جائز في غير الشعر، كما قال:
          يصبح عريان وفي البحر فمه
          وإنما إعرابه عندهم بالحروف، بالواو رفعاً، وبالألف نصباً، وبالياء جرًّا.
          11- حديث أنس، عن النبي صلعم: ((يخرج قوم من النار)) الحديث.
          السفع بسين مهملة: الأثر، قال الجوهري: يقال: سفعت النار: إذا لفحت لفحاً يسيراً، فغيرت لون البشرة.
          12- حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلعم قال: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة)) الحديث.
          ومعنى (امتحشوا): [أحرقوا]، والمحش: إحراق النار الجلد، وقد محشت جلده أي: أحرقته، وفيه لغة: محشته، عن ابن السكيت. وقال الليث: المحش تناول من لهب يحرق الجلد، ويبري العظم. وقال الداودي: انقبضوا كما تقبض الفحمة، وتصغر عن دود العود.
          قوله: (عادوا حمما) قال الهروي: الحمم: الفحم، واحدته: حممة. وقال الجوهري: الحمم: الرماد والفحم، وكل ما احترق من النار.
          قوله: (كما تنبت الحبة) هي بكسر الحاء، قال القزاز والفراء: هي بزور البقل، وقيل: حبة تنبت في الحشيش صغار، وقيل: هي الحبوب المختلفة.
          وقال ابن شميل: هي اسم جامع لحبوب البقل التي تنتثر إذا هاجت، ثم إذا مطرت من قابل نبتت. وقال الكسائي: هي حب الرياحين، الواحدة حبة، فأما الحنطة ونحوها فهو الحب لا غير.
          وقال صاحب ((الجمهرة)): كل ما كان من بزر العشب فهو حبة، والجمع: حبب. زاد الجوهري: والحبة بالكسر: بزور الصحراء مما ليس بقوت.
          قوله: (في حميل السيل) أي: محموله، فعيل: بمعنى مفعول، كقتيل وجريح، وهو ما جاء به من طين أو غثاء، فإذا كان فيه حبة أو استقرت على شط النهر نبتت في يوم وليلة، وهي نابتة نباتاً، وإنما أخبر ◙ عن سرعة نباتهم.
          وقال الداودي: هذا مثل ضربه للذي يغتسل عند خروجه من جهنم، فيزول عنه السفع، ويبقى ضامراً ذابلاً مصفراً، فإذا دخل يأت إليه.
          قوله: (أو قال: في حمئة السيل) هو الطين الأسود المنتن، كذا ذكره الخطابي. قال ابن التين، والذي رويناه: ((حمة)) بكسر الحاء غير مهموز، ومعناه مثل معنى حميل، وفي رواية أخرى: ((حمية)): بفتح الحاء وتشديد الياء؛ أي: معظم جريه واشتداده.
          13- حديث النعمان، سمعت النبي صلعم يقول: إن أهون أهل النار عذابا الحديث.
          وأخرجه (م) أيضاً من حديث شعبة به بلفظ: ((لرجل)) إلى قوله: ((دماغه)). ومن حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الله: ((إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً)).
          والأخمص: ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض، قاله الجوهري. وقال ابن فارس: أخمص القدم: باطنهما.
          قال الداودي: وفي موضع آخر من الصحاح: ((من نار تبلغ كعبيه)) فإما أن يكون قالهما، أو اكتفى في قوله: ((جمرة)) أنها في أحد الأخمصين لعلم السامع بالقدمين، كقوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] قال: ويحتمل أن يكون هذا الرجل أبا طالب، أو غيره من المسلمين؛ لأن أبا طالب تبلغ النار كعبيه؛ ولأنه أخف الكافرين عذاباً؛ ولأن الكفار: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء:56].
          قوله: (كما يغلي المرجل بالقمقم) قال الجوهري: المرجل: قدر من نحاس. فانظر كيف يصح الكلام على هذا لا جرم، قال عياض: صوابه المرجل، والقمقم.
          14- حديث عدي بن حاتم.
          وسلف قريباً في باب من نوقش الحساب.
          15- حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله وذكر عنده عمه أبو طالب الحديث.
          الضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض، وهذه شفاعة خاصة له، ذكره آخر الباب من حديث العباس أنه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء؟
          16- حديث / أنس في الشفاعة بطوله، وفي آخره: ((حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن)) وفي ذكر الخطيئة من يجوز وقوع الصغائر عليهم، والمختار خلافه.
          قوله: ويقول: (ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله) ذكر أصحاب التواريخ أن إدريس جد نوح ◙، فإن لم يكن إدريس رسولاً لم يصح قولهم على صحة الخبر أنه جد نوح؛ لقوله: ((أول رسول بعثه الله)) وإن لم يكن إدريس رسولاً جازماً، فيجوز أن يكون نبيًّا غير مرسل.
          قال الداودي: فيه أن نوحاً أول رسول، وما روي أن آدم رسول الله لا يثبت كثبوت هذا النقل واشتهاره، قال: ومن هذا لم يتسق الكلام على الولاء؛ لأن بين قوله: ((فأخر ساجدا)) وبين قوله: ((فيحد لي حدا)) ما يكون من أمور يوم القيامة من الموازين وتطاير الصحف، والحساب، والحوض، فهذا كله قبل دخول من يدخل النار، ثم يكون بعد ذلك من يخرج من النار.
          وفي هذا فضل نبينا على سائر الأنبياء والرسل عليه وعليهم أفضل السلام وفيه: تواضع الأنبياء، ومعرفتهم بحق بعضهم بعضاً.
          وفيه: أن الأنبياء لم يعلموا اختصاص نبينا بالشفاعة العظمى، ولو علموا ذلك لردوهم إليه من أول وهلة.
          وفيه: أن أهل المحشر يتصرفون فيما ينفعهم(1).
          17- حديث عمران بن حصين، عن النبي صلعم قال: ((يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلعم)) الحديث وقد سلف من حديث أنس، لكن زاد هذا الحديث بالشفاعة، وفي إسناده الحسن بن ذكوان، وهو مكبر من أفراد (خ).
          وقال (ن) في حقه: ليس بالقوي. وأما المصغر فأخرجا له.
          والأول أبو سلمة بصري، روى عن أبي رجاء عمران.
          والمصغر، هو المعلم العوذي بصري أيضاً.
          18- حديث أنس في قصة أم حارثة الحديث وسلف في الباب، ونوعه؛ لاختلاف السندين، فإنه أخرجه هنا بعلو عن قتيبة، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس. وأخرجه أولاً عن عبد الله بن محمد، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا أبو إسحاق، عن حميد، عن أنس: فعلا الأول برجل، وأخرجه في الجهاد أيضاً رباعيًّا إلى أنس، وزاد في الباب فيه:
          وقال: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)) إلى آخره.
          قوله: (سهم غرب) قال الجوهري: أصابه سهم غرب، يضاف ولا يسكن ويحرك إذا كان لا يدرى من رماه(2). وفي كتاب ابن فارس: أتاه سهم غرب، إذا لم يدر من رمى به، قال: ويقال: سهم غرب أيضاً.
          قال ابن التين: والذي رويناه مضاف مفتوح قال: و(قَدٌّ) رويناه بفتح القاف وتشديد الدال. والقد: السوط أي: مقدار سوطه؛ لأنه يقد، أي: يقطع طولاً. وقيل: ((موضع قده)) أي: شراكه.
          قال الهروي: ((موضع قده)) يعني: سوطه، ويقال للسوط: القد. قال: فأما القد بالفتح: فجلد السخلة، وفي الحديث أن امرأة أرسلت إلى رسول الله بجرتين وقد. فالقد: سقاء صغير يتخذ من مسك السخلة ويجعل فيه اللبن. وقال أبو بكر: يجوز أن يكون القد: النعل. يعني في الحديث، سميت قدًّا؛ لأنه يقد من الجلد، وقال الفراء: بالكسر النعل يجرد من الشعر، فيكون ألين له.
          قال الداودي ((وقاب قوس)) يعني: ما بين وسط الوتر، ووسط القوس.
          والمعروف أن قاب: قدر، والقاب: قدر ما بين المقبض والسية، وقال بعضهم: في قوله تعالى: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:9]: قابي قوس، فقلبه.
          قوله: (ولنصيفها يعني: الخمار) هذا هو المعروف عند أهل الحديث، وذكر الهروي قولاً ثانياً أن نصيفها معجرها.
          19- حديث أبي هريرة، قال: قال النبي صلعم: ((لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار... الحديث)).
          فيه بشرى للمؤمن، وعكس للكافر.
          20- حديث أبي هريرة أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك... الحديث.
          ومعنى: (أول منك) أي: قبلك يسألني، وضبطه الحفاظ بنصب اللام، ويصح رفعها؛ لأن قولك (أن) مخففة من الثقيلة، وهو مثل قوله تعالى: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71]، قرئ بالوجهين، وأول: أصله أوأل على وزن أفعل مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واواً وأدغم، يدل على ذلك قولهم: هذا أولى منك، والجمع الأوائل، والأوالي أيضاً على القلب، وقال قوم: أصله ووأل على وزن فوعل، فقلبت الواو الأولى همزة، وإنما / لم تجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع.
          21- حديث عبيدة بفتح العين عن عبد الله، قال: قال النبي صلعم: ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها... الحديث)).
          سيأتي بعد أن الضحك معناه: الاستهزاء، ونحوه السخرية، وورد في القرآن على سبيل المقابلة، وهو هنا على معنى المقابلة، وإن لم تذكر لفظاً، فهو موجود معنى؛ لأنه ذكر أنه عاهد الله مراراً لا يسأله عما سأله ثم غدر، فحل غدره محل الاستهزاء، وكذا دخوله الجنة وتردده، وتخيله أنها ملأى ضرب من ذلك، فأطلق ذلك جزاءً على ما تقدم من غدره.
          22- حديث وقد أسلفناه في الحديث الخامس عشر.
          قال والدي ⌂:
          (باب صفة أهل الجنة).
          قوله: (زيادة كبد الحوت) هي قطعة من اللحم متعلقة بالكبد وهي ألذ الأطعمة وأهنأها.
          قوله: (عدن) قال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة:72] أي خلد بضم الخاء ويقال عدن بالبلد إذا أقام به و(المعدن) منبت الجواهر لإقامة أهله فيه دائماً أو لإنبات الله إياها فيه ويقال في معدن صدق أي: منبت صدق وفي بعضها مقعد صدق كما في القرآن وذكره حينئذ لأنه في الجنة قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر:54].
          قوله: (عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء وسكون التحتانية وفتح المثلثة و(عوف) بفتح المهملة وبالواو والفاء المشهور بالأعرابي و(أبو رجاء) ضد الخوف عمران العطاردي و(شيخه) هو عمران بن حصين مصغر الحصن بالمهملتين الخزاعي والرجال كلهم بصريون و(سليمان التيمي) بفتح الفوقانية وكسر التحتانية و(أبو عثمان) هو عبد الرحمن.
          قوله: (المساكين) وفي الحديث الفقراء ففيه إشعار بأنه يطلق أحدهما على الآخر و(الجد) بفتح الجيم الغنى و(محبوسون) أي للحساب ونحوه ومر الحديث.
          قوله: (عمر) أي: محمد بن زيد بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب.
          فإن قلت: الموت عرض كيف يصح عليه المجيء والذبح قلت: الله سبحانه وتعالى يجسده ويجسمه، أو هو على سبيل التمثيل للإشعار بالخلود.
          قوله: (عطاء بن يسار) ضد اليمين و(أحل) من الإحلال بمعنى الإنزال أو بمعنى الإيجاب يقال: أحله الله عليه أي: أوجبه، وحل أمر الله عليه أي: وجب، وهذا هو كما قال تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة:22] اللهم اجعلنا منهم.
          قوله: (معاوية) ابن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي و(أبو إسحاق) هو إبراهيم بن محمد الفزاري بالفاء وخفة الزاي وبالراء و(حميد) بالضم هو المشهور بالطويل مات وهو قائم يصلي و(حارثة) بالمهملة والراء والمثلثة ابن سراقة بضم المهملة وخفة الراء وبالقاف الأنصاري.
          قوله: (تر) وفي بعضها ترى وهو مثل: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} [النساء:78] بالرفع و(أوهبلت) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعدها وكذلك أوجنة وهبلت بلفظ المجهول والمعروف من هبلته أمه إذا ثكلته و(الفردوس) هو أعلى الجنة، مر الحديث متناً وإسناداً في غزوة بدر.
          قوله: (الفضل) بالمعجمة ابن موسى و(الفضيل) مصغرة ابن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي وبالواو و(أبو حازم) بالمهملة والزاي وإنما وسع بين منكبيه لكونه أبلغ في الإيلام و(المغيرة بن سلمة) بفتحتين المخزومي البصري.
          قال الكلاباذي: روى عنه إسحاق الحنظلي في آخر كتاب الرقاق ومات سنة مائتين، واعلم أن أبا حازم الأول الذي روى عن أبي هريرة اسمه سلمان، والثاني الراوي عن سهل اسمه سلمة.
          قوله: (النعمان بن عياش) بالمهملة وشدة التحتانية وبالمعجمة و(الجواد) بالنصب مفعول الراكب وهو الفرس البين الجودة و(المضمر) من قولهم ضمر الخيل تضميراً إذا علفها القوت بعد السمن وكذلك أضمرها.
          قوله: (لا يدخل) فإن قلت كيف يتصور هذا وهو مستلزم للدور لأن دخول الأول موقوف على دخول الآخر وبالعكس قلت: يدخلون معاً صفًّا واحداً وهو أيضاً دور مَعِيّة ولا محذور فيه مر في بدء الخلق في صفة الجنة.
          فإن قلت: في بعضها يدخل بدون كلمة لا؟ قلت: لا هو مقدر يدل عليه المعنى أو حتى بمعنى حين أو مع أو معناه استمرار دخول أولهم إلى دخول من هو آخر الكل.
          قوله: (عبد الله بن سلمة) بفتح الميم واللام و(يتراءون) أي ينظرون وقال عبد العزيز قال أبي يعني أبا حازم و / (الغابر) بالمعجمة والموحدة أي: الذاهب وفي بعضها بالتحتانية أي الغارب.
          فإن قلت: الكوكب في الشرق ليس بغارب فما وجهه؟ قلت: يراد به لازمه وهو البعد ونحوه.
          قوله: (أبو عمران) هو عبد الملك الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون و(أهون) أي أسهل وأقل مر مراراً و(عمرو) هو ابن دينار وكنيته أبو محمد ولقبه الأثرم بالهمز والمثلثة والراء و(الثعارير) جمع: الثعرور بالمثلثة والمهملة وضم الراء الأولى القثاء الصغير ونبات كالهليون وثمر الطراثيث و(الضغبوس) بالمعجمتين وضم الموحدة وبإهمال السين هو أيضاً القثاء الصغير ونبات مثل الهليون والرجل الضعيف والشوك الذي يؤكل والغرض منه التشبيه بيان حالهم وطراوة صورتهم وتجرد خلقتهم.
          و(كان) أي: عمرو قد سقط فمه أي: كان لا يعطي الحروف حقها ولهذا لقب الأثرم إذ الثرم هو انكسار الأسنان وهذا مقول حماد، وفي الحديث إبطال مذهب المعتزلة في نفي الشفاعة للعصاة.
          قوله: (هدبة) بضم الهاء وسكون المهملة وبالموحدة ابن خالد و(السفع) بالمهملتين والفاء حرارة النار و(السوافع) لواقح السموم.
          قوله: (عمرو بن يحيى) بن عمارة بضم المهملة وخفة الميم المازني و(امتحش) من الامتحاش بالمهملة قبل الألف والمعجمة بعدها وهو الاحتراق و(الحمم) بضم المهملة وفتح الميم الفحم و(الحبة) بكسر المهملة بزر البقل والرياحين و(حميل السيل) غثاؤه وهو محموله و(الحمأة) بالفتح وسكون الميم وبكسرها وبالهمز الطين الأسود المنتن مر الحديث في الإيمان في باب مثاقيل أهله بفوائد لا سيما فائدة ذكر الصفرة والالتواء، قال النووي: لسرعة نباته يكون ضعيفاً ولضعفه يكون أصفر ملتوياً ثم بعد ذلك تشتد قوتهم.
          قوله: (محمد بن بشار) بإعجام الشين و(أبو إسحاق) هو عمرو السبيعي و(النعمان بن بشير) ضد النذير الخزرجي و(أخمص) أي تحت.
          قوله: (عبد الله ابن رجاء) ضد الخوف البصري.
          فإن قلت: ذكر في الحديث المتقدم جمرة وفي الثاني جمرتان؟ قلت: المراد من الأول جمرتان بقرينة القدمين كما إذا قلت ضربت ظهر ترسيهما لا بد من إرادة الظهرين من الجنس.
          و(المرجل) بكسر الميم وفتح الجيم القدر من الحجارة أو النحاس و(القمقم) بضم القافين الآنية من الزجاج والباء للتعدية ووجه التشبيه هو كما أن النار تغلي المرجل الذي في رأسه قمقم بحيث تسري الحرارة إليها وتؤثر فيها كذلك النار تغلي بدن الإنسان بحيث يؤدي أثره إلى الدماغ وقيل هو الماء الكثير والقمقام الرجل العظيم.
          قال صاحب ((مطالع الأنوار)) كذا في جميع الروايات وذكر ابن الصابوني: والقمقم بالواو وهذا أبين إن ساعدته الرواية قال والقمقم فارسي معرب وقال ابن عديس مصغر العدس بالمهملات القضاعي بضم القاف وخفة المعجمة وبالمهملة في كتاب الباهر القمقم بالكسر البسر المطبوخ وأهل الحديث يروونه بالضم.
          قوله: (سليمان بن حرب) ضد الصلح و(عمرو) هو ابن مرة بضم الميم وشدة الراء و(خيثمة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية وبالمثلثة ابن عبد الرحمن و(عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية ابن حاتم الطائي و(أشاح) أي صرف وجهه و(إبراهيم بن حمزة) بالمهملة والزاي و(ابن أبي حازم) بإهمال الحاء والزاي عبد العزيز و(الدراوردي) بفتح المهملة والراء والواو وتسكين الراء وبالمهملة اسمه أيضاً عبد العزيز و(يزيد) من الزيادة بن عبد الله بن الهاد و(عبد الله) ابن خباب بفتح المعجمة وشدة الموحدة الأولى الأنصاري و(الضحضاح) بإعجام الضادين وإهمال الحاءين ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير في النار.
          فإن قلت: أعمال الكفار كلها يوم القيامة هباء منثور فكيف انتفع أبو طالب بعمله حتى شفع له رسول الله صلعم؟ قلت هذا ليس جزاء لعمله أو هو من خصائص النبي صلعم.
          و(أم الدماغ) أصله وما به قوامه وقيل الهامة وقيل جليدة رقيقة تحيط بالدماغ.
          قوله: (جمع الله) أي في العرصات و(لو استشفعنا) جزاؤه محذوف أو هو للتمني و(يريحنا) من الإراحة بالراء والمهملة؛ أي: يخرجنا من الموقف وأهواله وأحواله ويفصل بين العباد و(لست هناكم) أي: ليس لي هذه المرتبة والخطيئة لآدم أكل الشجرة ولنوح دعوته على قومه ولإبراهيم معاريضه الثلاث ولموسى قتل القبطي وإنما قالوه تواضعاً وهضماً للنفس وإلا فبالحقيقة هم معصومون عن الكبائر مطلقاً وعن الصغائر عمداً.
          و(يدعني) أي: يتركني في السجود / و(تشفع) من التشفيع أي: تقبل شفاعتك و(حبسه القرآن) أي: أخبر بخلوده بنحو قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:116].
          فإن قلت: آدم أول الرسل لا نوح ◙؟ قلت: مختلف فيه ويحتمل أن يقال المراد هو أول رسول أنذر قومه الهلاك أو أول رسول له قوم.
          فإن قلت: الغضب هو غليان دم القلب لإرادة الانتقام ولا يصح على الله تعالى؟ قلت: مجاز يراد لازمه وهو إظهار إيصال العقاب والحكمة في أنه لم يلهمهم السؤال ابتداء عن سيدنا محمد صلعم إبداء فضيلته في أن هذا الأمر العظيم وهو الشفاعة العظمى في المقام المحمود لا يقدر على الإقدام عليه غيره صلعم مر الحديث في سورة بني إسرائيل.
          قوله: (الحسن بن ذكوان) بفتح المعجمة وسكون الكاف وبالواو وأبو سلمة البصري(3) قال الكلاباذي: روى عنه يحيى القطان في الرقاق و(أبو رجاء) ضد الخوف عمران العطاردي وأما (ابن حصين) فهو مصغر الحصن و(أم حارثة) بالمهملة والراء وبالمثلثة اسمها الربيع مصغر الربيع ضد الخريف و(سهم غرب) بالإضافة والصفة أي: غريب لا يدري من الرامي به و(هبلت) من قولهم هبلته أمه أي ثكلته و(القد) بكسر القاف وشدة المهملة السوط و(النصيف) بفتح النون وكسر المهملة الخمار مر الحديث في أول الجهاد.
          قوله: (لو أساء) يعني: لو عمل عمل السوء وصار من أهل جهنم.
          فإن قلت: الجنة ليست دار شكر بل دار [جزاء]؟ قلت: الشكر ليس على سبيل التكليف بل هو على سبيل التلذذ أو المراد لازمه وهو الرضا والفرح لأن الشاكر على الشيء راض به فرحان بذلك.
          قوله: (عمرو) أي: ابن عمرو المخزومي و(من قبل نفسه) بكسر القاف أي: من جهتها يعني: طوعاً ورغبة مر في كتاب العلم في باب الحرص على الحديث.
          قوله: (عبيدة) بفتح المهملة السلماني و(الحبو) المشي على اليدين أو المشي على الإست يقال حبا الرجل إذا حبى على يديه وحبا الصبي إذا مشى على استه.
          فإن قلت: عرضها كعرض السموات والأرض فكيف يكون عشرة أمثال الدنيا؟ قلت: ذلك تمثيل وإثبات للسعة على قدر فهمنا.
          قوله: (تسخر مني) يقال: سخر منه إذا استجهله.
          فإن قلت: كيف صح إسناد الهزء أو الضحك إلى الله تعالى قلت: أمثال هذه الإطلاقات يراد بها لوازمها من الإهانة ونحوها.
          قوله: (وكان يقال ذلك الرجل هو أقل الناس منزلة في الجنة) وهذا ليس من تتمة كلام رسول الله صلعم بل هو كلام الراوي نقلاً عن الصحابة أو أمثالهم من أهل العلم.
          قوله: (عبد الملك بن عمير) بالضم القبطي و(عبد الله) هو ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب ببة بتشديد الموحدة الثانية وتمام الحديث لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار تقدم آنفاً.
          الزركشي:
          (أصحاب الجد) بفتح الجيم، أصحاب الثروة والحظوظ الدنيوية بالمال والجاه، ويحتمل أن يريد الملوك المعظمين.
          (ثم يذبح) قيل: الذابح له يحيى [بن] زكريا، وقيل: جبريل.
          (أوهبلت) بفتح الهمزة والواو والهاء وكسر الباء، وقد استعاره هنا لفقد العقل مما أصابها من الثكل بولدها، كأنه قال: أفقدت عقلك بفقد ولدك حتى جعلت الجنان جنة واحدة.
          (أوجنة) بفتح الواو.
          (وليسير الراكب الجواد المضمر) هو بنصب ((الجواد)) وفتح الميم الثانية من ((المضمر)) ونصب الراء، وضبطه الأصيلي بضم ((المضمر))، و((الجواد)) صفة للراكب، فتكون على هذا بكسر الميم الثانية، وقد يكون على البدل، والمضمر: الذي يضمر خيله لغزو أو سباق، وتضمير الخيل هو أن يعلفها حتى تسمن ثم لا تعلف إلا قوتاً لتخف، وقيل: يشد عليها سرجها ويجللها بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب وهلها وتشتد.
          (الكوكب الغابر) ويروى: ((الغارب)).
          (الثعارير) بمثلثة ثم بعين مهملة، ويقال: بالسين بدل الثاء، وفسرها في الحديث بالضغابيس بضاد وغين معجمتين ثم موحدة ثم مثناة ثم سين مهملة، وهذا التفسير يحتاج لتفسير، وقد قيل: إنها صغار القثاء، شبهه بها لسرعة نموها.
          وقيل: ((الثعارير)) واحد ثعرور، رؤوس الطراثيث تكون بيضاء شبهه ببياضها، والطرثوث: نبات كالقطر مستطيل.
          (قد امتحشوا) بضم التاء وكسر الحاء على ما لم يسم فاعله، وقيل: بفتحها، يقال: محشته النار؛ أي أحرقته.
          (حمما) أي فحما.
          (فيلقون في نهر الحياة كما تنبت الحبة) بكسر الحاء: حب الرياحين ونحوها مما ينبت في البراري وسرعة / إنباته.
          و(حميل السيل) ما يحمله السيل من الغثاء.
          (كما يغلي المرجل) بكسر الميم قدر النحاس خاصة، وهو مذكر من بين أسماء القدر، قال ابن سيده في ((شرح المتنبي)).
          (بالقمقم) هو البسر المطبوخ، هكذا قال أبو عمر المطرز، إلا أنه حكاه بكسر القافين، ووقع في كتب الحديث بالضم، قاله ابن سيده: وهذا أجود ما قيل فيه، ولم يقف صاحب ((النهاية)) على ذلك، وقال القاضي: صوابه ((كما يغلي المرجل والقمقم)).
          قلت: وروي كذلك، ورواه (م) مقتصراً على المرجل.
          (أشاح) جد في أمره وحذر.
          (فأصابه سهم غريب) كذا روي هنا بالتنوين على البدل من الغرب، والمحفوظ: سهم غرب بالتنوين على النعت وبفتح الراء وسكونها، قال أبو زيد: بالفتح إذا رمى شيئاً فأصاب غيره، وبسكونها إذا أتى السهم من حيث لا يدري.
          وقال الكسائي والأصمعي: إنما هو ((سهم غرب)) بفتح الراء مضاف: الذي لا يعرف راميه.
          (أو موضع قيده) بكسر القاف، أي: مقدار سوطه لأنه يقد، أي: يقطع طولاً، وقيل: موضع قده أي: شراكه، ويروى: ((قدمه)) بالميم والإضافة، ويروى ((قدم)) بلا إضافة.
          (ولنصيفها) الخمار، وقيل: المعجر.
          (حبوا) بالحاء، ويروى: ((كبوا)) بالكاف انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (امتحشوا) أي: احترقوا والمحش احتراق الجلد وظهور العظم ويروى امتحشوا لما لم يسم فاعله والحمم جمع الحممة وهي الفحمة.
          و(الحبة) بكسر الحاء هو ما تنبته الأرض مما لا يستنبته الآدميون.
          (باب صفة الجنة).
          قوله: (حدثني عبد الله بن محمد) يقال إن هذا الحديث لم يروه عن مالك إلا عبد الله بن المبارك إمام أهل المشرق وعبد الله بن وهب إمام أهل المغرب، وقد أخرجه عن ابن وهب في آخر الديوان في كلام الرب تعالى مع أهل الجنة.
          قوله: (الكوكب الغارب) أي: البعيد من رأي العين وقيل الذاهب الماضي.
          قوله: (يسمون الجهنميين) هم عتقاء الرحمن من أمة محمد صلعم فيتضرعون إلى الله أن يمحو عنهم تلك السمة فيمحوها الله عنهم فلا يعرفون بعد ذلك.
          قوله: (موضع قده) وقده بالفتح وفي نسخة قدمه وأخرى قدم والقد السوط أي: مقدار سوطه لأنه يقد أي يقطع طولاً.
          قوله: (إلا أري مقعده من الجنة) إن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكناً في الجنة ومسكناً في النار فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويجعل الكفار في منازلهم في النار فذلك قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون:10] وقوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف:72].
          قوله: (إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها) هو جهينة وقيل: هناك ينادي ألف سنة يا حنان يا منان فيبعث الله إليه ملكاً ليخرجه من النار فيخوض في النار سبعين سنة فلم يجده ثم يرجع فيقول الملك إني طلبته في النار منذ سبعين سنة فلم أجده فيقول الله تعالى انطلق فإنه في واد تحت صخرة فأخرجه، فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة.
          أقول: فإن قلت هذا الملك الخائض في النار هل يتألم بالنار وكذلك خزنتها؟ قلت: لا لأن أجسامهم مخلوقة من نور مجبولة على الطاعة لمولاهم لا يعصون الله ما أمرهم، والنار لا تحرق إلا الكفار والعصاة من بني آدم ذوي الأجسام الكثيفة فهم معصومون من العصيان ومن النيران.
          فإن قلت: الجن والشياطين أيضاً مخلوقون من نار وهم أجسام لطيفة نارية غير كثيفة فكيف صفة إحراقهم وتألمهم بالنيران؟ قلت: الله تعالى يجسمهم يوم القيامة بأجسام تليق بها أن تحرق وتتألم بالنار أو أنها ذاتها كانت مخلوقة من نار لكن نار جهنم أقوى من عنصرهم فيحرقهم ألا ترى قوله تعالى {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر:18] {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات:10] فهذا في الدنيا ففي الأخرى نار جهنم أقوى من نار الشهاب الثاقب وهذا ظاهر.
          قوله في باب صفة الجنة عن أبي هريرة عن النبي صلعم: ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع.
          قال ابن العربي عن أبي هريرة قال رسول الله: ((ضرس الكافر مثل أحد وفخذه مثل البيضاء ومقعده من النار مسيرة ثلاث الربذة)) والبيضاء جبل.
          وعن ابن عمر قال رسول الله صلعم: ((إن الكافر ليسحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطأه الناس)) وذكر علماؤنا أن هذا الكافر الذي قال فيه النبي ◙ ضرسه كأحد معين.
          روى أبو هريرة قال جلست مع النبي صلعم في رهط ومعه الرجال بن عنفوة فقال: إن منكم لرجلاً ضرسه مثل أحد في النار فهلك القوم وبقيت أنا والرجال وكنت أنا متخوفاً حتى خرج الدجال مع مسيلمة وشهد له بالنبوة وقتل يومئذ بين يدي مسيلمة قتله زيد بن الخطاب وقال عبد الغني هو الرحال بالحاء المهملة والأثير والدارقطني أعرف منه.
          قال ابن العربي: هذه المقادير التي يكون عليها الكافر في جلده وجسمه لحمه وعظامه وأسنانه قال علماؤنا: بالنسبة مخلوقة ابتداء وإنما هي الأجزاء التي كانت في الدنيا موجودة وتأنيث الجسم على طول يداه فيجعلها الله سبحانه من غدا لغداه وما أكل الهوى والفساد منه، ويحتمل أن / تكون الأجزاء التي أفسدها أو ظلم بها توصلت به حتى يكون ذلك أعظم لآلامه فإن البدن متى كان أكثر أجزاء فإن الألم أعظم عادة أجزأها الله تعالى.
          وقول أبي هريرة كنت لها متخوفاً حتى قتل الرجال صحيح المعنى لأن كل أحد يخاف سوء الخاتمة وأن ينفذ الله فيه سابقة لم أعلم بها حتى روى أحمد بن حنبل أن جبريل يخاف عذاب الله مع أنه أمين الله وواسطته إلى رسله.
          قوله: (فيؤتى بالموت) قال ابن العربي قد كنت أمليت فيه قولاً بديعاً رأيت ذكره أحسب الناس لما سمعوا هذا الخبر وقد ذهب الصدر الأول الذين كانوا أهل نقاء وهيبة ومحافظة على السنة قالت طائفة: لا يعلمه هو خير واحد وأيضاً فإنه جاء بما يناقض العقل فإن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسماً ولا يعقل فيه ذبحاً ولما استحال ذلك عقلاً وجب أن يمسح الحديث ردًّا وقالت طائفة أخرى: إن كان ظاهره محالاً فإن تأويله جائز.
          واختلفوا في وجه تأويله على أقوال: قد بيناها في كتاب المشكلين أصلها قولان: أحدهما أن هذا مثل كما لو رأى أحد في المنام في زمن الوباء فقال: هذا الوباء قد زال ويقع في قلبه في المنام أن ذلك هو الوباء وأنه يذبحه برفق على المكان الذي هو فيه وهذا له زمن وربما يلفق وينمق وآخر الأمر لا يسمن ولا يحقق.
          الثاني: أن الذي يؤتى به متولي الموت وكل ميت يعرفه فإنه تولاه فإذا استقرت المعرفة به أعدم لهم العدم الذي عهدوه ولو شاء ربنا لخلق لهم العلم بذلك ضرورة ولكنه رتب لهم هذه القضية لهذه الحكمه وتعين على المتولي التسمي باسم ذلك الشيء والذي يقصد هذا التأويل قوله تعالى: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور:39] إلى قوله: {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} فأخبر عن جزائه بذاته الكريمة، ولذلك يخبر عن الموت بالمثولية.
          وطريقة الكلام في المسألة أن الله تعالى يحقق لهم العلم اليقيني في دار اليقين بأن الموت لا يعود أبداً ولو خلق لهم هذا العلم ابتداء دون ذبح شيء لكان ذلك واقعاً موقعه ولكنه لحكمته جعله مخلوقاً منوطاً بسبب كما كان عند العلم اليقيني في الدنيا أن من ذبح أو مات لا يعود فيها أبداً ولو جاء ولهم هذا العلم ابتداء أقرب لهم سبحانه شيئاً يشبهه حتى يكون العلم الثاني على نحو ما رتب عليه العلم الأول ويثبت في نفوسهم العلم بالمراد كما أثبته من قبل وكان عود الحياة بعد الموت الأول بخبره بذلك يكون امتناع العود في الموت والثاني بخبره ويطمن نفوس أهل الجنة بالخلود ويقع اليأس لأولئك وتطبق عليهم النار وينفذ الحكم ويقع الفصل ويظهر الوعد الصدق انتهى كلام ابن العربي ⌂.
          أقول: فإن قلت: ما الحكمة في أنه يؤتى بالموت في صورة كبش؟ قلت: لما جاء أن ملك الموت أتى آدم ◙ في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعمائة جناح.
          قال مقاتل والكلبي في قوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك:2] خلقها جسمين جعل الموت في هيئة كبش لا يمر على شيء إلا مات والحياة على هيئة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها خطوها مد البصر لا يمر على شيء إلا حيي وهي التي أخذ السامري من براثنها فألقاه على العجل وهذه هي الحكمة في فداء الذبيح بكبش لتكون فدى من الموت بشكل الموت ولما سر برؤيته سر أهل الجنة بذبحه كراهة لهم منه.
          ونقل القرطبي عن صاحب خلع النعلين أن الذابح للكبش بين الجنة والنار يحيى بن زكريا بين يدي رسول الله صلعم أو في اسمه إشارة إلى الحياة الأبدية، وذكر صاحب الفردوس أن الذي يذبحه جبريل.
          أقول: ويمكن أن يقال أن الحكمة في ذبح يحيى الموت أن الموت جاء يحيى في صورة الذبح لأنه ذبح فكان ذبحة للموت مجازاة لما أنه ذبح والله أعلم بالحقائق.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: قد قال ◙ لأمته أنه أعطي المقام المحمود وأن له الشفاعة العظمى فكيف أن الناس في أول وهلة لم يتوجهوا إليه؟ قلت: الأمم حينئذ يتوجهون إلى غيره لا أمته وهم غير عارفين بأن الشفاعة العظمى خاصة به وإنما يعرف ذلك أمته)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: القد بالطول والقط بالعرض، وفي صفة علي بن أبي طالب ما علا أحدا إلا قده ولا سفل إلا قطه ومنه قط العلم)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: قوله غضب اليوم غضباً إلى آخره ما سبب الغضب؟ قلت: الكفر والمعاصي الصادرة من الكفار والعصاة.
فإن قلت: ذلك وقع في الدنيا قبل الموت وقبل البعث والنشور فكيف حصل الغضب ذلك اليوم؟ قلت: كان الغضب حصل حين الكفر والعصيان لكن ظهر الغضب للأنبياء وغيرهم في ذلك اليوم وذلك سبب قيامهم في العرق في المحشر)).