الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب كراء الأرض بالذهب والفضة

          ░19▒ (بابُ كِرَاءِ الأَرْضِ) أي: جوازِ كِرائها (بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) الواو للتنويع، أو هي بمعنى أو، قال في ((الفتح)): كأنه أراد بهذه التَّرجمةِ الإشارةَ إلى أنَّ النهيَ الواردَ عن كراءِ الأرض محمولٌ على ما إذا أُكريَتْ بشيءٍ مجهول، وهو قولُ الجمهور، أو بشيءٍ مما يخرجُ منها ولو كان معلوماً، وليس المرادُ النهيَ عن كرائها بالذهب أو الفضة، وبالغَ ربيعةُ فقال: لا يجوزُ كِراؤها إلا بالذهب أو الفضة، وخالفَ في ذلك طاوسُ وطائفةٌ قليلة، فقالوا: لا يجوزُ كِراءُ الأرض مطلقاً.
          وذهبَ إليه ابنُ حزمٍ، واحتَجَّ له بالأحاديث المطلقةِ في ذلك، وحديثُ الباب دالٌّ للجمهور، وأطلقَ ابنُ المنذِرِ أنَّ الصحابةَ أجمعوا على جواز كَريِ الأرض بالذهبِ والفضةِ، ونقل ابنُ بطَّالٍ اتفاقَ فقهاءِ الأمصَار عليه.
          وروى أبو داودَ عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ قال: كان أصحابُ المَزارع يُكرونَها بما يكونُ على المساقي من الزرع، فاختصَموا في ذلك، فنهاهُم رسول الله صلعم أن يُكروا بذلك، وقال: ((أَكرُوا بالذهبِ والفضة))، ورجالُه ثِقاتٌ، إلا أنَّ محمدَ بنَ عكرمةَ المخزوميَّ لم يروِه عنه إلا إبراهيمُ بنُ سعدٍ، وأما ما رواه الترمذيُّ من طريق مجاهدٍ عن رافعِ بنِ خَديجٍ في النَّهي عن كَريِ الأرض ببعض خَراجِها أو بدَراهمَ، فقد أعلَّه النسائيُّ بأنَّ مجاهداً لم يسمَعْه منه، انتهى.
          (وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ) ☻ (إِنَّ أَمْثَلَ) بسكون الميم وفتح المثلثة؛ أي: أَولى (مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ) أي: فاعلون في الأرض (أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الأَرْضَ الْبَيْضَاءَ) بالضاد المعجمة؛ أي: الخاليةَ من الزرع والشجر (مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ) أي: من سنةٍ إلى سنةٍ أخرى، وهذا التعليقُ وصلَه سفيانُ الثَّوريُّ في ((جامعه)) قال: أخبرني عبدُ الكريم؛ هو الجزَريُّ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ بسندٍ صَحيحٍ عنه بلفظ: ((إنَّ أمثلَ ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرضَ البيضاءَ ليس فيها شَجَرٌ)) يعني: من السنةِ إلى السنة، وأخرجه البيهَقيُّ من طريقِ عبد الله بن الوليد العدَنيِّ، عن سُفيانَ به.