الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قطع الشجر والنخل

          ░6▒ (باب قَطْع الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ) من عطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ أي: هذا: بابُ جوازِ قطعِهما للحاجةِ والمصْلحةِ كنِكايةِ العدوِّ، ولم يصرِّحِ المصنِّفُ بالجوازِ اكتفاءً بما في الحديثِ، أو للخلافِ فيه.
          ففي ((الفتح)): وخالفَ بعضُ أهلِ العلم فقالوا: لا يجوزُ قطعُ الشجرِ المثمِرِ أصلاً، وحمَلوا ما وردَ من ذلك إمَّا على غير الـمُثمِر، وإما على أنَّ الشجرَ الذي قُطِعَ في قصَّةِ بني النَّضير كان في الموضِعِ الذي يقَعُ فيه القتال، قال: وهو قولُ الأوزاعيِّ واللَّيثِ وأبي ثور، انتهى.
          وقال ابنُ الملقِّن: وذهبَ قومٌ من أهلِ العلم إلى جوازِ قطعِ الأشجارِ وتخريبِ الحصُون، وكَرِهَ بعضُهم ذلك، وهو قولُ الأوزاعيِّ، ونهى الصِّديقُ أن يُقطعَ شجرٌ مثمرٌ ويُخرَّبَ عامر، وعمل بذلك المسلمون بعدَه.
          وقال الشافعيُّ: لا بأسَ بالتحريقِ في أرض العدوِّ، وقطعِ الأشجارِ والثِّمار، وقال أحمدُ: وقد يكونُ في مَوضعٍ لا يجدونَ منه بُدًّا، فأما للعبَثِ فلا يُحرَقُ.
          وقال إسحاقُ: التَّحريقُ سُنَّةٌ إذا كان أنكَى لهم، وبقطعِ أشجارِ الكفَّارِ وتحريقِهَا قال مالكٌ والثَّوريُّ وأبو حنيفةَ والجمهورُ، وقال اللَّيثُ بن سعدٍ وأبو ثور: لا يجوزُ، انتهى.
          واعتُذِرَ لهم بأنَّ الشارعَ إنما قطعَ تلك النخيلَ ليوسِّعَ موضعَ جوَلانِ الخيلِ للقتال، انتهى.
          (وَقَالَ أَنَسٌ) أي: ابنُ مالكٍ، ممَّا وصلَه المصنِّفُ في باب نَبْشِ قبورِ الجاهليةِ في المساجدِ من كتاب الصلاة (أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ) بالبناء للمفعول، ودِلالتُه للجَوازِ صَريحة، وقطعُه له لِـما فيه من المصلحة.