نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أن النبي صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة

          495- (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) هو ابن الحجاج (عَنْ عَوْنِ) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون (ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي) أبا جُحَيفة _بضم الجيم وفتح المهملة_، واسمه وهب بن عبد الله السُّوائي _بضم السين المهملة_، وقد مرَّ في كتابة العلم [خ¦111]. ورجال هذا الإسناد ما بين بصري، وكوفي.
          وقد أخرج متنه المؤلف في «الصلاة» في مواضع في باب «استعمال وضوء الناس» [خ¦187]، وفي «ستر العورة» [خ¦376]، وفي «الآذان» [خ¦633]، وفي «صفة النبي صلعم » في موضعين [خ¦3553]، وفي «اللباس» في موضعين [خ¦5859] [خ¦5786]، وفي باب «السترة بمكة» [خ¦501] وغيرها [خ¦495] [خ¦499] [خ¦501] [خ¦634].
          وأخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه في «الصلاة».
          (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ) يعني: بطحاء مكة، وهو موضع خارج مكة، وهو الذي يقال له: الأبطح (وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ) بفتح العين المهملة والنون والزاي، مثل نصف الرمح، لكن سنانها في أسفلها بخلاف سنان الرمح، فإنه في أعلاه، وهذه الجملة حالية.
          (الظُّهْرَ) بالنصب مفعول صلى (رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ) وقوله: ((ركعتين)) في موضعين حال أو بدل من المفعول، وزاد في رواية آدم عن شعبة عن عون: ((أن ذلك كان بالهاجرة)) [خ¦499].
          قال النووي: فيستفاد منه أنه صلعم جمع حينئذ بين الصلاتين في وقتِ الأُولى منهما، ويحتمل أن يكون قوله: ((والعصر ركعتين)) معناه: بعد دخول وقتها.
          (يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ) أي: بين يدي عنزته والقبلة لا بينه وبين العنزة كما يدل عليه رواية عمر بن أبي زائدة في باب «الصلاة في الثوب الأحمر»: ((ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة)) [خ¦376].
          (الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ) ثم في رواية شعبة من طريق الثوري عن عون ما يشعر بأن ذلك كان بعد خروجه من مكة لقوله: ((ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة)).
          ومن فوائد الحديث: جعل السترة بين يديه إذا كان في الصحراء، ومنها: أن مرور المرأة والحمار لا يقطع الصلاة، وهو قول عامة العلماء، وروي عن أنس، ومكحول، وأبي الأحوص، والحسن، وعكرمة: يقطع الصلاةُ الكلبُ، والحمار، والمرأة.
          وعن ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض. وعن عكرمة: يقطع الصلاة الكلب (1)، والمرأة، واليهودي، والنصراني، والمجوسي. /
          وعن عطاء: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود، والمرأة الحائض، وعن أحمد في المشهور عنه: يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم، وفي رواية: يقطعها أيضاً الحمار والمرأة، والبهيم: الذي لا يخالط لونه لون آخر.
          وفي ((جامع شمس الأئمة)): تفسد الصلاة بمرور المرأة بين يديه.
          وفي ((الكافي)): عند أهل العراق: تفسد بمرور الكلب، والمرأة، والحمار، والخنزير، والحديث المذكور حجة على من يقول: يقطع الصلاة مرور المرأة، والحمار، والحجة على من يرى قطع الصلاة بالأشياء المذكورة من هؤلاء المذكورين ما رواه أبو داود في ((سننه)) عن أبي سعيد الخدري ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان)).
          وفي الباب: عن ابن عمر، وأبي أُمامة، وأنس، وجابر ♥ ، فحديث ابن عمر عند الدارقطني في ((سننه))، وحديث أبي أمامة وأنس أيضاً عنده، وحديث جابر عند الطبراني في ((الأوسط)).
          وقال محمود العيني: أما حديث الخدري ففيه مقال.
          وأما حديث ابن عمر، وأبي أمامة، وأنس: قال ابن الجوزي: لا يصح شيء منها.
          وأما حديث جابر: ففيه عيسى بن ميمون، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به.
          ومستند المذكورين: ما رواه مسلم عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخر الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود)) قلت: ما بال الأسود من الأحمر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلعم كما سألتني فقال: ((الكلب الأسود شيطان)).
          وحجة العامة: ما رواه البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة ♦ قالت: ((كان رسول الله صلعم يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة)). [خ¦383] وقد روي هذا بوجوه مختلفة.
          ووجه الاستدلال به: أن اعتراض المرأة خصوصاً الحائض بين المصلي وبين القبلة لا يقطع الصلاة، فالمارة بطريق الأولى.
          وبوّب أبو داود في ((سننه)): باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة.
          وبوّب أيضاً: باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة، ثم روى عن الفضل بن عباس ☺ قال: ((أتانا رسول الله صلعم ونحن في بادية، ومعه عباس، فصلى في الصحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه، فما بالى ذلك)). وأخرجه النسائي أيضاً.
          وقال النووي: وتأول الجمهور القطع المذكور في الأحاديث / المذكورة على قطع الخشوع جمعاً بين الأحاديث.
          وقال محمود العيني: هذا جيد فيما إذا كانت الأحاديث التي رويت في هذا الباب مستوية الأقدام، وأما إذا قلنا: أحاديث الجمهور أقوى وأصح من أحاديث من خالفهم، فالأخذ بالأقوى أولى وأقوى.
          فإن قيل: قال ابن القصار: من قال: إن الحمار يقطع الصلاة قال: إن مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف، والإمام سترة لمن خلفه.
          فالجواب: أنه مردود بما رواه البزار: أن المرور كان بين يديه صلعم .
          فإن قيل: روى أبو داود من حديث سعيد بن غزوان عن أبيه: أنه نزل بتبوك، وهو حاجّ، فإذا برجل مُقْعد فسأله عن أمره فقال: سأحدثك بحديث فلا تُحدث به ما سمعتَ أني حي: إنَّ رسول الله صلعم نزل بتبوك إلى نخلة فقال: ((هذه قبلتنا))، ثم صلى إليها، قال: فأقبلت وأنا غلام أسعى بينه وبينها، فقال: ((قطع صلاتنا قطع الله أثره)) فما قمت عليها إلى يومي هذا.
          قوله: ((عليها)) أي: على رجلي، وليس بإضمار قبل الذكر؛ لوجود القرينة.
          فالجواب: أن أبا داود سكت عنه، وقال غيره: هذا حديث واهٍ، ولئن سلَّمنا صحته فهو منسوخ بحديث ابن عباس ☻ ؛ لأن ذلك كان بتبوك، وحديثه كان في حجة الوداع بعدها، والله أعلم.
          ومنها: جواز قصر الصلاة الرباعية، بل هو أفضل من الإتمام، وهل هو رخصة أو عزيمة فيه خلاف بيننا وبين الشافعي على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى سبق الكلام عن ذلك في [خ¦350] وتعرض العيني لهذا الموضوع في آية الخوف [خ¦942].


[1] ((من قوله: الأسود... إلى قوله: الكلب)): ليس في (خ).