نجاح القاري لصحيح البخاري

باب يرد المصلي من مر بين يديه

          ░100▒ (باب) بالتنوين (يَرُدُّ الْمُصَلِّي) ندباً لا وجوباً، وسيجيء الكلام فيه [خ¦509] (مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ) آدمياً كان أو غيره (وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ) ابن الخطاب ☻ المار بين يديه، وهو عمرو بن دينار كما نبَّه عليه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في ((مصنفيهما)).
          (فِي التَّشَهُّدِ) أي: حال كونه في التشهد في غير الكعبة (وَ) ردَّ أيضاً المار بين يديه (فِي الْكَعْبَةِ) ويحتمل أن يكون الرد في حالة واحدة هي كونه في التشهد، وفي الكعبة، فلا حاجة حينئذ إلى مُقدَّر.
          وقال ابن قُرْقُول: وقع في بعض الروايات: <وفي الركعة> بدل الكعبة، قال: وهو أشبه بالمعنى.
          هذا؛ وقال صاحب ((التلويح)): والظاهر أنه: وفي الكعبة؛ لما في كتاب الصلاة لأبي نُعيم شيخ المؤلف: حدَّثنا عبد العزيز بن المَاجِشون، عن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر ☻ يصلي في الكعبة فلا يدع أحداً يمر بين يديه يبادره _قال: أي: يرده_.
          وفي رواية أخرى: عن عمرو بن دينار قال: مررت بابن عمر بعد ما جلس في آخر صلاة حتى أنظر ما يصنع، فارتفع من مكانه فدفع في صدري.
          وقال ابن أبي شيبة: أخبرنا ابن فضيل، عن مطر، عن عمرو بن دينار قال: مررت بين يدي ابن عمر وهو في الصلاة، فارتفع من قعوده، ثم دفع في صدري.
          وقال الحافظ العسقلاني: ورواية الجمهور في الكعبة، وهي متجهة، / وتخصيص الكعبة بالذكر؛ لئلا يتخيل أنه يغتفر فيها المرور؛ لكونها محل المزاحمة.
          وتعقبه محمود العيني: بأن الواقع في نفس الأمر عن ابن عمر الرد في غير الكعبة، وفي الكعبة أيضاً، فلا يقال فيه التخصيص والتعليل فيه بكون الكعبة محل المزاحمة غير موجه؛ لأن في غير الكعبة أيضاً توجد المزاحمة سيما في أيام الجُمَع في الجوامع، ونحو ذلك.
          (وَقَالَ) أي: ابن عمر ☻ : (إِنْ أَبَى) أي: إن امتنع المارُّ بكل وجه (إِلاَّ أَنْ) أي: بأن (تُقَاتِلَهُ) بالمثناة الفوقية المضمومة، خطاباً للمصلي (فَقَاتِلْهُ) بصيغة الأمر، والضمير المنصوب فيهما للمار، وفي رواية: <قاتله> بصيغة الأمر أيضاً، لكن بدون الفاء.
          وفي رواية أخرى: <إلا أن يقاتله> بصيغة الغيبة؛ أي: يقاتل المصلي المار بين يديه <قاتله> بصيغة الماضي.
          قال الحافظ العسقلاني: وهذه رواية الأكثرين.
          ثم إن المروي عن ابن عمر هاهنا: ثلاثة أشياء:
          الأول: رده المار في التشهد، وقد وصله أبو نُعيم، وابن أبي شيبة.
          والثاني: رده في الكعبة، وقد وصله أبو نُعيم أيضاً، وفي حديث يزيد الفقير: صليت إلى جنب ابن عمر بمكة فلم أر رجلاً أكره أن يمر بين يديه منه.
          والثالث: أمره بالمقاتلة عند عدم امتناع المار من المرور بين يدي المصلي، وقد وصله عبد الرزاق، ولفظه: عن ابن عمر ☻ قال: لا تدع أحداً يمر بين يديك، وأنت تصلي، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله.
          ثم إن الأمر بالمقاتلة ورد على سبيل المبالغة، والمراد أن يدفعه دفعاً شديداً كدفع المقاتل.