نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا وجد خشبة في البحر أو سوطًا أو نحوه

          ░5▒ (بابٌ) بالتنوين (إِذَا وَجَدَ) شخصٌ (خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ) وجد (سَوْطاً) في موضع (أَوْ) وجد شيئاً (نَحْوَهُ) من عصا أو حبلٍ أو شبههما، وجواب «إذا» محذوف؛ أي: ما يصنع به هل يأخذه أو يتركه؟ وإذا أخذه هل يتملَّكه أو يكون سبيله سبيل اللقطة؟ ففيه اختلاف العلماء، فروى ابن عبد الحكم عن مالكٍ أنَّه إذا لقي في البحر خشبةً فتركها أفضل، وقال ابن شعبان: فيها قولٌ آخر أنَّ واجدها يأخذها، فإن جاء ربُّها غرم له قيمتها.
          ورخَّصت طائفةٌ في أخذ اللُّقطة اليسيرة والانتفاع بها وترك تعريفها، وممَّن رُوِي عنه ذلك عمر وعليٌّ وابن عمر وعائشة ♥ وهو قول عطاء والنَّخعي وطاوس، وقال ابن المنذر: روِّينا عن عائشة ♦ في اللُّقطة لا بأس بما دون الدِّرهم أن يستمتعَ به. وعن جابرٍ ☺: كانوا يرخِّصون في السوط والحبل ونحوهما أن ينتفعَ به.
          وقال عطاءٌ: لا بأس للمسافر إذا وجد السوط والسِّقاء والنَّعلين أن ينتفعَ بها، واستدلَّ من يبيح ذلك بحديث الخشبة؛ لأنَّ النَّبي صلعم أخبر أنَّه أخذها حطباً لأهله، ولم يأخذها ليعرِّفها، وشرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأتِ في شرعنا ما يخالفه، ولا سيَّما إذا ساقه الشَّارع مساق الثَّناء على فاعله.
          وفي «الهداية»: وإن كانت اللُّقطة ممَّا يعلم أنَّ صاحبها لا يتطلَّبها كالنَّواة وقشور الرُّمان، فإلقاؤه إباحة أخذهِ، فيجوز الانتفاع به من غير تعريفٍ، ولكنَّه / يبقى على ملك صاحبه؛ لأنَّ التَّمليك من المجهول لا يصحُّ.
          وقال ابن رشدٍ: الأصل في ذلك ما رُوِي أنَّه صلعم مرَّ بتمرةٍ في الطَّريق فقال: ((لولا أن تكون من الصَّدقة لأكلتها))، ولم يذكر فيها تعريفاً، وهذا مثل العصا والسَّوط، وإن كان أشهبُ قد استحسن تعريف ذلك، فإن كان يسيراً إلَّا أنَّ له قدراً ومنفعةً فلا خلاف في تعريفه، فقيل: سنة، وقيل: أيَّاماً وإن كان ممَّا لا يبقي في يد ملتقطهِ ويخشى عليه التَّلف، فإنَّ هذا يأكله الملتقط فقيراً كان أو غنيًّا، وهل يضمنُ فيه روايتان الأشهر أن لا ضمانَ عليه، وقيل: بالفرق بين أن يتصدَّق به وأن يأكلَه فلا يضمنُ في التَّصدق، ويضمنُ في الأكل.
          وفي «الواقعات»: المختارُ في القشور والنَّوى أن يملكَها، وفي الصَّيد أن لا يملكه، وإن جمع سنبلاً بعد الحصاد فهو له لإجماع النَّاس على ذلك، وإن سلخَ شاةً ميتةً فهو له ولصاحبها أن يأخذَها منه، وكذلك الحكمُ في صوفها.