نجاح القاري لصحيح البخاري

باب إذا أخبر على البناء للفاعل

          ░1▒ (بابٌ إِذَا أَخْبَرَ) على البناء للفاعل، وقوله: (رَبُّ اللُّقَطَةِ) فاعله (بِالْعَلاَمَةِ دُفِعَ) على البناء للمفعول أيضاً؛ أي: دفع الملتقط اللُّقطة (إِلَيْهِ) أي: إلى ربِّ اللُّقطة. وفي بعض النُّسخ: <إذا أخبره> بالضَّمير المنصوب؛ أي: إذا أخبر الملتقط ربُّ اللُّقطة بالعلامة دفع إليه، وفي بعض النُّسخ بعد البسملة هكذا: <باب في اللُّقطة وإذا أخبر ربُّ اللُّقطة...>إلى آخره. /
          واللُّقَطة _بضم اللام وفتح القاف_: اسم للمال الملتقط. قيل: إنَّ هذا اسمَ الفاعل للمبالغة، وبسكون القاف اسم المفعول، كالضِّحكة، ومعنى المبالغة فيه زيادة معنى اختصَّ به، وهو أنَّ كلَّ من رآها يميل إلى رفعها، فكأنَّها تأمره بالرفع، فأسندَ إليها مجازاً، فجعلت كأنَّها هي التي رفعت نفسها، ونظيره قولهم: ناقةٌ حلوبٌ، ودابَّة ركوبٌ، وحلوبٌ وركوبٌ اسم فاعل للمبالغة، وذلك لأنَّ من رآها يرغب في الحلب والرُّكوب، فنزلت كأنَّها أحلبت نفسها وأركبت نفسها.
          قال العيني: وفيه تعسُّف، بل اللُّقطة سواء كان بفتح القاف أو بسكونها، اسم موضوع على هذه الصِّيغة للمال الملتقط، وليس هذا مثل الضِّحكة ولا مثل ناقةٌ حلوبٌ ودابةٌ ركوب؛ لأنَّ هذه صفات تدلُّ على الحدوث والتَّجدُّد غير أنَّ الأول للمبالغة في وصف الفاعل أو المفعول والثَّاني والثَّالث بمعنى المفعول للمبالغة.
          هذا وقال الحافظ العسقلاني: واللُّقَطة الشَّيء الذي يلتقط، وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللُّغة والمحدِّثين. وقال القاضي عياض: لا يجوز غيره.
          هذا وقال الزَّمخشري في «الفائق»: اللُّقَطة بفتح القاف، والعامة تسكِّنها، كذا قال. وقد قال الخليل: هي بالفتح اسم الملتقط كسائر ما جاء على هذا الوزن كهُمَزة ولُمَزة، وبسكون القاف اسم المال الملقوط.
          وقال الأزهريُّ: وهذا الذي قاله الخليل هو القياس، ولكن الذي سمع من العرب، وأجمع عليه أهل اللُّغة، والحديث أنَّها بالفتح اسم للشَّيء الملتقط.
          وقال ابنُ بَرِّي: التَّحريك للمفعول نادر، فاقتضى أنَّ الذي قاله الخليل هو القياس. وفي «أدب الكاتب»: تسكين القاف من العامَّة، ورُدَّ عليه بما ذكر من الخليل.
          وفيها لغات أيضاً: لُقاطة _بضم اللام_ ولَقط _بفتحها_، وقد نظم الأربعة ابن مالك حيث قال:
لُقَاطةٌ ولُقْطَةٌ ولُقَطَهْ                     وَلَقَطٌ ما لاقِطٌ قَدْ لَقَطَهْ
          وقال ابنُ سيده: اللُّقطة واللَّقطة واللقاط ما التقط. وفي «الجامع»: اللُّقطة: ما التقطه الإنسان فاحتاج إلى تعريفهِ، والالتقاط في الأصل العثور على الشَّيء من غير قصدٍ وطلبٍ، والله أعلم.