نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما

          1773- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) قد ذكرنا أنَّ التَّرجمة مشتملةٌ على وجوب العمرة وفضلها وذكر ما يدلُّ على وجوبها، وهما الأثران المذكوران عن ابن عمر وابن عبَّاس ♥ ، ثمَّ ذكر هنا عن أبي هريرة ☺ ما يدلُّ على فضلها، وقد بوَّب التِّرمذي باباً في فضل العمرة فقال: باب ما جاء في فضل العمرة.
          ثمَّ روى حديث أبي هريرة المذكور هنا عن ابن كُرَيب عن وكيع عن سفيان عن سمي إلى آخره نحو رواية البخاريِّ، وأخرجه مسلم أيضاً كرواية التِّرمذي.
          وأخرجه أيضاً النَّسائي من رواية سفيان بن عيينة عن سمي، ومن رواية سهيل بن أبي صالحٍ عن سمي، وأخرجه مسلم أيضاً من رواية عبيد الله بن عمر عن سميٍّ، وهو مشهورٌ من حديث سمي، وعبد الله بن يوسف هذا هو التِّنيسيُّ.
          قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد المثناة التحتية (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام مات مقتولاً بقديد سنة ثلاثين ومائة، وقد مرَّ في الصَّلاة وحديثه هذا من غرائب الصَّحيح؛ لأنَّه تفرَّد به واحتاج النَّاس إليه فيه، فرواه عنه مالك وسفيان وغيرهما حتَّى أنَّ سهيل بن أبي صالحٍ حدَّث به عن سمي عن أبي صالحٍ فكأنَّ سهيلاً لم يسمعه من أبيه وتحقَّق بذلك تفرد سُمَيٍّ به، قاله ابن عبد البرِّ، حكاه عنه الحافظ العسقلانيُّ.
          (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان الزَّيات (السَّمَّانِ) وقد تكرَّر ذكره (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) من الذُّنوب غير الكبائر كما في قوله صلعم : ((الجمعة إلى الجمعة كفَّارةٌ لما بينهما))، أشار إليه ابن عبد البرِّ.
          قال: وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك ثمَّ بالغ في الإنكار عليه، وقد تقدَّم ما يتعلَّق بذلك في أوائل مواقيت الصَّلاة [خ¦160]. قال ابن التِّين: يحتمل أن يكون إلى بمعنى مع، كما في قوله تعالى: {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء:2]، وقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف:14].
          فإن قيل: الذي يكفِّر ما بين العمرتين العمرة الأولى أو العمرة الثَّانية.
          فالجواب: أنَّ ظاهر الحديث أنَّ العمرة الأولى هي المكفِّرة؛ لأنَّها هي التي وقع الخبر عنها أنَّها تكفِّر ولكن الظَّاهر من جهة المعنى أنَّ العمرة / الثَّانية هي التي تكفِّر ما قبلها إلى العمرة السَّابقة، فإنَّ التَّكفير قبل وقوع الذَّنب خلاف الظَّاهر.
          واستشكل بعضهم كون العمرة كفَّارة مع أنَّ اجتناب الكبائر مكفِّر فماذا تكفِّر العمرة.
          وأجيب: بأنَّ تكفير العمرة مقيَّد بزمنها وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثيَّة.
          (وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ) مِن برَّه، إذا أحسن إليه، ثمَّ قيل: برَّ الله عمله إذا قبله كأنَّه أحسن إلى عمله بأن قبله ولم يردَّه، واختلفوا في المراد بالحجِّ المبرور فقيل: هو الذي لا يخالطه شيءٌ من مأثم، وقيل: هو المتقبل وقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق، وقيل: الذي لم يتعقَّبه معصية.
          وقد ورد تفسير الحج المبرور بغير هذه الأقوال وهو ما روى محمَّد بن المنكدر عن جابرٍ ☺ عن النَّبي صلعم قال: ((الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة)) فقيل: يا رسول الله! ما بر الحجِّ؟ قال: ((إفشاء السَّلام وإطعام الطَّعام))، وفي رواية فيه بدل إفشاء السلام: ((طيب الكلام))، وفي رواية: ((لين الكلام)) وهو في «مسند أحمد».
          (لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ) أي: لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بدَّ أن يدخل الجنَّة، وقد ورد في ثواب الحجِّ والعمرة أحاديث:
          منها: ما رواه التِّرمذي من حديث شقيق عن عبد الله بن مسعود ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((تابعوا بين الحجِّ والعمرة فإنَّهما ينفيان الفقر والذُنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذَّهب والفضَّة، وليس للحجَّة المبرورة ثوابٌ إلَّا الجنَّة))، ورواه النَّسائي أيضاً.
          ولما رواه التِّرمذي قال: حديث ابن مسعود ☺ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث عبد الله بن مسعود قال: وفي الباب عن عمر وعامر بن أبي ربيعة وأبي هريرة وعبد الله بن حُبْشي وأم سلمة وجابر ♥ .
          هذا أمَّا حديث عمر ☺ فرواه ابن ماجه عنه عن النَّبي صلعم : ((تابعوا بين الحجِّ والعمرة، فإنَّ المتابعة بينهما تنفي الفقر والذُّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)).
          وأمَّا حديث عامر بن ربيعة ☺، فرواه أحمد في «مسنده» من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عنه قال: قال رسول الله صلعم : / ((تابعوا)) فذكره.
          وأمَّا حديث أبي هريرة ☺، فأخرجه الجماعة ما خلا أبا داود، وأمَّا حديث عبد الله بن حُبْشي، فرواه أحمد والنَّسائي من رواية عليٍّ الأزديِّ، عن عبيد الله بن عمير، عن عبد الله بن حُبْشي الخثعميِّ: أنَّ النَّبي صلعم سئل أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمانٌ لا شكَّ فيه، وجهادٌ لا غلول فيه، وحجَّة مبرورة)) وذكر الحديث، وأصله عند أبي داود.
          وأمَّا حديث أمِّ سلمة ♦، فرواه الحارث بن أسامة في «مسنده»: حدَّثنا يزيد بن هارون: حدَّثنا قاسم بن الفضل، عن أبي جعفرٍ، عن أمِّ سلمة ♦ قالت: قال رسول الله صلعم : ((الحجُّ جهادٌ)).
          وأبو جعفر هو: الباقر محمَّد بن علي بن الحسين، ولم يسمعْ من أمِّ سلمة ♥ ، وأمَّا حديث جابر ☺، فرواه ابن عديٍّ في «الكامل» من حديث محمد بن المنكدر، عن جابرٍ ☺ مرفوعاً: ((تابعوا بين الحجِّ والعمرة)) الحديث.