إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: عرضت علي الأمم فأخذ النبي يمر معه الأمة

          6541- وبه قال (حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ) ضدّ الميمنة، المِنْقَرِيُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة، محمَّدٌ، واسم جدِّه: غزوان الضَّبيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرَّحمن الواسطيُّ السُّلميُّ الكوفيُّ، أبو الهذيل (وَحَدَّثَنِي) بالواو والإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”قال أبو عبد الله“ أي: البخاريُّ(1): ”وحدَّثني“ (أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة، أبو محمَّد الجمَّال _بالجيم_ مولى عليِّ بن صالحٍ القرشيُّ الكوفيُّ، وهو من أفراد البخاريِّ، ضعيفٌ وليس له في البخاريِّ(2) إلَّا هذا الموضع، ولقد قرنَه بعمران بن ميسَرةَ قال: (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة، ابن بشيرٍ الواسطيُّ (عَنْ حُصَيْنٍ) بضم الحاء، هو(3) ابنُ عبد الرَّحمن، أنَّه (قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر) الوالبيِّ (فَقَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : عُرِضَتْ) بضم العين مبنيًّا للمفعول (عَلَيَّ الأُمَمُ) بالرَّفع وتشديد ياء «عليَّ» أي: ليلة الإسراء، كما عند التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ من رواية عَبْثَر(4) بن القاسم _بموحدة فمثلثة بوزن جعفر_ في روايتهِ عن حُصين بن عبد الرَّحمن، وهو يدلُّ على تعدادِ(5) الإسراء، وأنَّه وقع بالمدينةِ غير الَّذي وقع بمكَّة (فَأَخَذَ النَّبِيُّ) بخاء وذال معجمتين مفتوحتين بلفظ الفعل الماضي، و«النَّبيُّ» رفع فاعلٍ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فأجِدُ“ بجيم مكسورة فدال مهملة بلفظ المضارع ”النَّبيَّ“ نصب مفعول (يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ) أي: العددُ الكثير (وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ) اسم جمعٍ يقعُ على جماعة الرِّجال خاصَّةً ما بين الثَّلاثة إلى العشرةِ، ولغير الكُشميهنيِّ: ”والنَّبيُّ معه النَّفر“ (وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ) بفتح الشين، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”العشِيْرة“ بكسر الشين وزيادة تحتية ساكنة، القبيلة‼ (وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ) وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «يمرُّ» (فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ) شخصٌ يُرى من بعيدٍ، ووصفَه بالكثرة إشارةً إلى أنَّ المراد الجنسُ لا الواحد، وزاد في رواية حُصين بن نُميرٍ السَّابقة في «الطِّبِّ» [خ¦5752] «سدّ الأُفُق» وهو ناحية السَّماء (قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ هَؤُلَاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لَا) في رواية حُصين بن نُميرٍ: «فرجوتُ أن تكون أمَّتي فقال: هذا موسى في قومهِ» (وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا(6) سَوَادٌ كَثِيرٌ) زاد في روايةِ سعيد بنِ منصورٍ: «فقيل لي: انظرْ إلى الأُفُق الآخر، فنَظرتُ فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقيل لي: انظرْ إلى الأُفُق الآخر مثله» وفي رواية أحمد(7): «فرأيتُ أمَّتي قد مَلؤوا السَّهل والجبل فأعجبنِي كثرتهم» (قَالَ) جبريل: (هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ) زاد في رواية أحمدٍ: «فقيل: أرضيتَ يا محمَّد؟ قلت: نعم يا ربِّ» (وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ) ولسعيدِ بن منصورٍ: «معهم» بدل: «قُدَّامهم» (لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ) والمراد بالمعيَّة المعيَّة المعنويَّة فإنَّ السَّبعين ألفًا المذكورين من جملةِ أمَّته لم يكونوا في الَّذين عُرضوا إذ ذاك، فأُريد الزِّيادة في تكثيرِ أمَّته بإضافة السَّبعين ألفًا إليهم (قُلْتُ: وَلِمَ؟) بكسر اللام وفتح الميم وتسكَّن، يُستفهم بها عن السَّبب (قَالَ) جبريلُ: (كَانُوا لَا يَكْتَوُون وَلَا يَسْتَرْقُونَ) بغير القرآن، كعزائمِ أهل الجاهليَّة (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) ولا يتشاءمون بالطُّيور (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وقيل: إنَّ استعمال الرُّقى والكيِّ قادحٌ في التَّوكُّل؛ إذ البُرْءُ فيهما مُتوهَّمٌ بخلافِ غيرهما من أنواعِ الطِّبِّ، فإنَّه محقَّقٌ كالأكلِ والشُّرب فلا يقدحُ؟
          وأُجيب بأنَّ أكثر أنواع الطِّبِّ موهومٌ، والرُّقى بأسماء الله مُقتَضٍ للتَّوكُّل عليه والالتجاءِ إليه والرَّغبة فيما لديهِ، ولو قَدح هذا في التَّوكُّل قَدح فيه الدُّعاء إذ لا فرقَ، وفي حديثِ أحمد وصحَّحه ابنا خُزيمة وحبَّان عن رفاعة الجهنيِّ مرفوعًا: «وعدنِي ربِّي أن يدخُلَ من أمَّتي الجنَّةَ سبعِين ألفًا بغيرِ حسابٍ، وإنِّي لأرجُو أن لَا يدخلُوهَا حتَّى تبوَّؤُوا أنتُم ومن صلحَ من أزواجكُم وذرِّياتِكُم مساكنَ في الجنَّةِ» إذ(8) مزيَّة السَّبعين بالدُّخول بغيرِ حسابٍ لا يستلزمُ أنَّهم أفضلُ من غيرهم بل فيمَن يُحاسب في الجملة مَن يكون أفضل منهم، وهل المرادُ بالعددِ المذكور التَّكثير أو حقيقتُه؟
          وفي حديثِ / أبي هريرة عند أحمدَ والبيهقيِّ في «البعث» قال: «سألتُ ربِّي ╡ فوعدنِي أن يدخلَ الجنَّةَ من أمَّتِي زمرةً هم سبعُونَ ألفًا» وزاد: «فاستزدْتُ ربِّي فزادنِي مع كلِّ ألفٍ ألفًا» وسنده جيِّدٌ، وفي التِّرمذيِّ وحسَّنه عن أبي أُمامة رفعه: «وعدَنِي ربِّي أن يدخلَ الجنَّةَ من أمَّتِي(9) سبعِينَ ألفًا مَع كلِّ ألفٍ سبعينَ(10) ألفًا لا حسابَ عليهِم، ولا عذابَ، وثلاثُ حَثَياتٍ من حَثَياتِ رَبِّي‼». وفي حديثِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق عند أحمدَ وأبي يَعلى: «أعطَاني مع كلِّ واحدٍ مَن السَّبعين ألفًا سبعين ألفًا»، لكن في سنده راوٍ ضعيف الحفظ، وآخر لم يسمَّ. وعند الكلاباذيِّ في «معاني الأخبار» بسندٍ واهٍ(11) عن عائشةَ ♦ : أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «إنَّ آتيًا أتانِي من ربِّي، فبشَّرنِي أنَّ اللَّه يدخلُ من أمَّتِي سبعينَ ألفًا بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ، ثمَّ أتانِي فبشَّرنِي أنَّ اللَّه يدخلُ من أمَّتي(12) مكانَ كلِّ واحدٍ من السَّبعين ألفًا سبعينَ ألفًا بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ، ثمَّ أتانِي فبشَّرنِي أنَّ اللَّه يدخلُ من أمَّتي مكانَ كلِّ واحدٍ من السَّبعينَ(13) المضاعفَةِ سبعينَ ألفًا بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ، فقلتُ: يا ربِّ لا تبلغُ هذا أمَّتِي. قال: أكملهُم لك منَ الأعرابِ ممَّن لا يصومُ ولا يصلِّي».
          قال الكلاباذيُّ: المراد بـ «الأمَّة» أوَّلًا: أمَّة الإجابة، وبقوله آخرًا: «أمَّتي» أمَّة الاتِّباع، فإنَّ أمَّته صلعم على ثلاثةِ أقسامٍ أحدُها أخصُّ من الآخر: أمَّة الاتِّباع، ثمَّ أمَّة الإجابة، ثمَّ أمَّة الدَّعوة، فالأُولى أهل العمل الصَّالح، والثَّانية مُطلق المسلمين، والثَّالثة من عَداهم ممَّن بُعِث إليهم.
          (فَقَامَ إِلَيْهِ) صلعم (عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ) بضم العين المهملة وفتح الكاف مشددة وتخفَّف، و«مِحْصَن» بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون، ابن حُرْثان _بضم الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة_ من بني أسد بن خُزيمة، وكان عُكَّاشة من السَّابقين (فَقَالَ): يا رسول الله (ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ صلعم : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ) هو سعدُ بن عبادة، كما عند الخطيب في «المُبهمات» واستُبعد هذا من جهة جلالة سعدِ بن عبادة (قَالَ): يا رسول الله (ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ صلعم : سَبَقَكَ بِهَا) بالصِّفات الَّتي هي التَّوكُّل وسابقه (عُكَّاشَةُ) أو أراد بذلك حسم المادَّة؛ إذ لو أجابَ الثَّاني لقام ثالثٌ ورابعٌ وهلُمَّ جرًّا، وليس كلُّ أحدٍ يصلحُ لذلك، أو أنَّه أجاب عُكاشة بوحي ولم يوحَ إليه في غيرهِ، أو أنَّ السَّاعة الَّتي سَأل فيها عُكَّاشة ساعة إجابةٍ، ثمَّ انقضت، وهذا أولى من قول(14) إنَّه كان مُنافقًا؛ لأنَّ الأصلَ في الصَّحابة عدم النِّفاق، وأيضًا فإنَّ مثل هذا السُّؤال قلَّ أن يَصدر إلَّا عن قصدٍ صحيحٍ، وفي حديث جابرٍ عند الحاكم والبيهقيِّ في «الشعب»(15) رفعه: «من زادَتْ حسناتهُ على سيِّئاتهِ فذلكَ الَّذي يدخلُ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ، ومن استوَت حسناتُهُ وسيِّئاتُهُ، فذاكَ(16) الَّذِي يحاسبُ حسابًا يسيرًا، ومَن أَوْبَقَ نفسهُ فهو الَّذي يُشْفَعُ فيهِ بعدَ أن يعذَّب».


[1] «أي البخاري»: ليست في (د).
[2] في (د) و(ص): «الصحيح».
[3] في (س): «وهو».
[4] في (د) زيادة: «محمد».
[5] في (ص) و(د): «تعدد».
[6] في (د) زيادة: «هو».
[7] «أحمد»: ليست في (ع).
[8] في (ع): «وفيه أن».
[9] في (د) زيادة: «زمرة».
[10] في (د): «سبعون».
[11] في (د): «واهي».
[12] «سبعينَ ألفًا بغيرِ حساب ولا عذابٍ، ثمَّ أتاني فبشَّرني أنَّ الله يدخل من أمَّتي»: ليست في (ع).
[13] «ألفًا سبعينَ ألفًا بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ، ثمَّ أتاني فبشَّرني أنَّ الله يدخل من أمَّتي مكان كلَّ واحدٍ من السَّبعين»: ليست في (ع).
[14] في (د): «قوله».
[15] في (ع) و(د): «البعث».
[16] في (ب) و(س) و(د): «فذلك».