إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض

          6532- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأويسيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (سُلَيْمَانُ) بن بلالٍ (عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ) بالمثلَّثة، الدِّيليِّ(1) (عَنْ أَبِي الغَيْثِ) سالمٍ، مولى عبيدِ الله بن مطيعٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ) بفتح الراء (يَوْمَ القِيَامَةِ) بسبب تراكم الأهوال ودُنوِّ الشَّمس من رُؤوسهم والازدحام (حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ) يجري سائِحًا (فِي) وجه (الأَرْضِ) ثمَّ يغوص فيها‼ (سَبْعِينَ ذِرَاعًا) أي: بالذِّراع المُتعارف، أو الذِّراع الملكيِّ(2)، وللإسماعيليِّ من طريق ابن وهبٍ، عن سليمان بنِ بلالٍ: ”سبعين بَاعًا(3)“ (وَيُلْجِمُهُمْ) بضم التَّحتية وسكون اللام وكسر الجيم، من أَلجمه الماءُ إذا بلغ فَاه(4) (حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ) وظاهره: استواءُ النَّاس في وصولِ العرقِ إلى الآذان، وهو مُشكلٌ بالنَّظر إلى العادة فإنَّه قد علم أنَّ الجماعة إذا وقفوا في ماءٍ على أرضٍ مُستويةٍ تفاوتُوا في ذلك بالنَّظر إلى طولِ بعضِهم وقصرِ بعضِهم. وأُجيب بأنَّ الإشارةَ لمن(5) يصلُ إلى أُذنيه إلى غايةِ ما يَصل الماء، ولا ينفِي أن يصلَ إلى دونِ ذلك. ففي حديث عُقبة بن عامرٍ مرفوعًا: «فمنهُم من يبلغُ عرقُهُ(6) عقبَه، ومنهُم من يبلغُ نصفَ ساقهِ، ومنهم من يبلغُ ركبتيهِ، ومنهم من يبلغُ فخذيهِ، ومنهم من يبلغُ خاصرتَهُ، ومنهم من يبلغُ فاهُ، ومنهم من يغطِّيهِ عرقه، وضربَ(7) بيدهِ فوقَ رأسهِ» رواه الحاكمُ، وظاهر قوله: «النَّاس» التَّعميم، لكن في حديث عبدِ الله بنِ عَمرو بن العاص، أنَّه قال: «يشتدُّ كَرب النَّاس ذلك اليوم حتَّى يُلْجِم الكافرَ العرقُ، قيل له: فأين المؤمنون؟ قال: على كراسيٍّ من ذهبٍ ويُظلَّلُ عليهم الغمامُ».
          وقال الشَّيخ عبد الله بن أبي جمرة: هو مخصوصٌ بالبعض(8) وإن كان ظاهره التَّعميم بالبعض وهُم الأكثر(9). ويُستثنى الأنبياء والشُّهداء ومَن شاء الله، فأشدُّهم في العرقِ الكفَّار، ثمَّ أصحاب الكبائر، ثمَّ من بعدهم والمسلمون منهم قليلٌ بالنِّسبة إلى الكفَّار. وعن سلمان _ممَّا أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنَّفه» واللَّفظ له بسندٍ جيِّدٍ، وابن المبارك في «الزُّهد»_ قال: «تعطي الشَّمسُ يوم القيامة حرَّ عشر سنين، ثمَّ تدنو من جَماجم النَّاس حتَّى تكونَ قاب قوسٍ، فيعرقونَ حتَّى يرشحَ العرقُ في الأرض قامةً، ثمَّ يرتفع حتَّى يُغرغر الرَّجل». زاد ابنُ المبارك في روايته: «ولا يضرُّ حرُّها يومئذٍ مؤمنًا ولا مؤمنةً».
          والمراد _كما قال القرطبيُّ_: من يكون كاملَ الإيمان لِمَا ورد أنَّهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم. وفي روايةٍ صحَّحها ابن حبَّانٍ: «إنَّ الرَّجل ليُلجمه العرقُ يوم القيامة حتَّى يقولَ: يا ربِّ أرحنِي ولو إلى النَّار».
          وحديثُ الباب أخرجهُ مسلمٌ في «صفة النَّار»، أعاذنَا الله منها، ومن كلِّ مكروهٍ بمنِّه وكرمهِ.


[1] في (د): «الدولي».
[2] في (ع) و(د): «المكي».
[3] في (ع): «ذراعًا».
[4] قوله: «ويلجمهم... بلغ فاه»: ليس في (د).
[5] في (ب) و(س): «بمن».
[6] في (ص) زيادة: «إلى».
[7] في (ص): «وقَد ضرب».
[8] «بالبعض»: ليست في (س).
[9] «بالبعض وهُم الأكثر»: ليست في (ع).