إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر

          554- وبالسَّند قال: (حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ) بضمِّ الحاء المُهمَلة(1)، عبد الله بن الزُّبير القرشيُّ المكِّيُّ (قَالَ: حدَّثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بن الحارث الفزاريُّ (قَالَ: حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي خالدٍ (عَنْ قَيْسٍ) هو ابن أبي حازمٍ _بالحاء المُهمَلة_ البجليِّ الكوفيِّ المُخضرَم ، ويُقال: له رؤيةٌ، قال في «التَّقريب»: قيس بن أبي حازمٍ، يُقال: له رؤيةٌ، ويُقال(2): إنَّه يروي عن العشرة، تُوفِّي بعد التِّسعين أو قبلها، وقد جاوز المئة وتغيَّر(3) (عَنْ جَرِيرٍ) البجليِّ ☺ ، ولأبي الوقت والهرويِّ والأَصيليِّ: ”عن(4) جرير بن عبد الله“ (قَالَ: كُنَّا مَعَ) وفي روايةٍ وهي في «اليونينيَّة» فقط(5): ”عِنْدَ“ (النَّبِيِّ صلعم ، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً) أي: في ليلةٍ من اللَّيالي (يَعْنِي: البَدْرَ) وسقط «يعني البدر» عند الأربعة، وهو كذلك عند مسلمٍ كالمؤلِّف من وجهٍ آخر (فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ) ╡ (كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ) رؤيةً مُحقَّقةً لا تشكُّون فيها و(6) (لَا تُضَامُونَ) بضمِّ المُثنَّاة الفوقيَّة وتخفيف الميم، أي: لا ينالكم ضيمٌ في رؤيته، أي: تعبٌ أو ظلمٌ فيراه بعضكم(7) دون بعضٍ بأن يدفعه عن الرُّؤية ويستأثر بها، بل تشتركون(8) في الرُّؤية، فهو تشبيهٌ للرُّؤية بالرُّؤية، لا للمرئيِّ بالمرئيِّ، ورُوِي: ”لا تَضامُّون“ بفتح أوَّله مع التَّشديد، من الضَّمِّ، أي: لا ينضمُّ بعضكم إلى بعضٍ وقت النَّظر لإشكاله وخفائه، كما تفعلون عند النَّظر إلى الهلال ونحوه، وفي روايةٍ: ”أوْلاتضامون، لا تُضاهُّون“ بالهاء بدل الميم، على الشَّكِّ، أي: لا يشتبه عليكم وترتابون(9) فيعارض بعضكم بعضًا (فِي رُؤْيَتِهِ) تعالى (فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول، بأن تستعدُّوا لقطع أسبابها، أي: الغلبة(10) المنافية للاستطاعة كنومٍ وشغلٍ مانعٍ (عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) يعني: الفجر والعصر كما عند «مسلمٍ» (فَافْعَلُوا) عدم المغلوبيَّة الَّتي لازمها الصَّلاة، كأنَّه قال: صلُّوا في هذين الوقتين (ثمَّ قَرَأَ) ╕ / : ({ وَسَبِّحْ }) كما هو ظاهر السِّياق، أو هو جريرٌ الصَّحابيُّ كما عند «مسلمٍ»‼ فيكون مُدرَجًا، وللهرويِّ وأبي الوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”فسبِّح“ بالفاء، لكنَّ التِّلاوة: { وَسَبِّحْ } بالواو ({ بِحَمْدِ رَبِّكَ }) أي: نزِّهه عن العجز عمَّا يمكن، والوصف بما يوجب التَّشبيه حامدًا له على ما أنعم عليك ({ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ }[ق:39]) يعني: الفجر والعصر، وقد عُرِفت فضيلة الوقتين على غيرهما ممَّا سيأتي _إن شاء الله تعالى_ من ذكر اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال... إلى غير ذلك، وقد ورد: أنَّ الرِّزق يُقسَم بعد صلاة الصُّبح، وأنَّ الأعمال تُرفَع آخر النَّهار، فمن كان حينئذٍ في طاعة ربِّه بُورِك له في رزقه وعمله، وأعظم من ذلك، بل من(11) كلِّ شيءٍ وهو مُجازاة المُحافَظة عليهما بأفضل العطايا، وهو النَّظر إلى وجه الله تعالى، كما يشعر به سياق الحديث (قَالَ إِسْمَاعِيلُ) ابن أبي خالدٍ في تفسيره(12): (افْعَلُوا لَا تَفُوتَنَّكُمْ) بنون التَّوكيد، أي(13): هذه الصَّلاة، وفي روايةٍ: ”لا يفوتنَّكم“ بالمُثنَّاة التَّحتيَّة.
          ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، ورواته الخمسة(14) ما بين مكيٍّ وكوفيٍّ، وفيه: تابعيٌّ عن تابعيٍّ، والتَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الصَّلاة» [خ¦573] و«التَّفسير» [خ¦4851] و«التَّوحيد» [خ¦7434]، ومسلمٌ في «الصَّلاة» وأبو داود.


[1] «المُهمَلة»: مثبتٌ من (م).
[2] قوله: « قال في التَّقريب: قيس بن أبي حازمٍ، يُقال: له رؤيةٌ، ويُقال» سقط من (د).
[3] في (د) و(م): «تسعين».
[4] «عن»: سقط من (د).
[5] «وهي في اليونينيَّة فقط»: سقط من (د) و(م).
[6] «و»: سقط من(د).
[7] في (ص): «بعضٌ».
[8] في (م): «تشركون».
[9] في (م): «فترتابون».
[10] «أي: الغلبة»: سقط من (د).
[11] «من»: ليس في (ب).
[12] «تفسير»: في (ص) و(م).
[13] «أي»: سقط من (د).
[14] في (د): «الثَّلاثة»، وليس بصحيحٍ.