إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير

          6509- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) الحافظ أبو زكريَّا المخزوميُّ مولاهم المصريُّ، نَسبه لجدِّه لشُهرته به، واسم أبيه: عبد الله قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) ابن سعدٍ الإمام (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين، ابن خالدٍ الأيليِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ، أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام (فِي) جملةِ (رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ) أُخَرٍ رَوَوا ذلك: (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم ) ♦ ، وسقط قوله «زوج النَّبيِّ...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، أنَّها (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقُولُ _وَهْوَ صَحِيحٌ_ إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ) بضم أوله مبنيًّا للمفعول، كـ «يُقبض» أي: يُخيَّر بين الحياة والموت (فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ) الموت (وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي) بكسر الخاء والذال المعجمتين، وجواب «لمَّا» قوله: (غُشِيَ) بضم الغين المعجمة (عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ) بفتح الهمزة والخاء المعجمة، أي: رفع (بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ) أختارُ أو أريدُ (الرَّفِيقَ الأَعْلَى)‼ أي: مرافقةَ الملائكة، أو الأنبياء والصدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين. قالتْ عائشة: (قُلْتُ: إِذًا) أي: حينئذٍ (لَا يَخْتَارَُنَا) بالنَّصب، أي: حين اختارَ مرافقةَ أهل السَّماء لا ينبغي أن يختارَ مرافقتنَا من أهلِ الأرض، وبالرَّفع (وَعَرَفْتُ أَنَّهُ) أي: الأمر الَّذي حصلَ له هو: (الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ(1) يُحَدِّثُنَا بِهِ) وهو صحيحٌ أنَّه لم يُقبض نبيٌّ قطُّ حتَّى يُخيَّر (قَالَتْ) عائشة: (فَكَانَتْ تِلْكَ) الكلمة، الَّتي هي قوله: «اللَّهمَّ الرَّفيق الأعلى» (آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ صلعم قَوْلُـَهُ) بالرَّفع في «اليونينيَّة»، وبالنَّصب في غيرها على الاختصاصِ، أي: أَعني قوله: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى).
          ومطابقةُ الحديثِ للتَّرجمة من جِهة اختيارِ النَّبيِّ صلعم للقاءِ الله بعد أن خُيِّر بين الموت والحياة فاختارَ الموت، فينبغِي الاستنانُ به في ذلك.
          والحديثُ سبق في «الدَّعوات» [خ¦6348].


[1] «كَانَ»: ليست في (ص).