إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

          6507- وبه قال: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) بفتح الحاء المهملة والجيم المشددة وبعد الألف جيم أخرى، ابن المنهال قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتح الهاء والميم المشددة، ابن يحيى قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) ابن دِعامة (عَنْ أَنَسٍ) هو ابنُ مالكٍ الصَّحابيُّ ☺ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ) قال الخطابيُّ: محبَّة اللِّقاء إيثار العبدِ الآخرة على الدُّنيا، ولا يحبُّ طول القيام فيها لكن يستعدُّ للارتحالِ عنها، واللِّقاء على وجوهٍ منها: الرُّؤية، ومنها البَعث كقوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ}[الأنعام:31] أي: بالبَعث، ومنها الموت كقوله تعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ}[العنكبوت:5]. انتهى.
          وقال ابنُ الأثير: المرادُ باللِّقاء: المصير إلى الدَّار الآخرة، وطلب ما عند الله، وليس الغرضُ منه(1) الموت؛ لأنَّ كلًّا يكرهه، فمَن ترك الدُّنيا وأبغضها أحبَّ لقاءَ الله، ومَن آثرها‼ ورَكن إليها كَره لقاء الله، ومحبَّةُ الله لقاءَ عبدهِ: إرادةُ الخير له وإنعامُه عليه.
          وقال في «الكواكب»: فإن قلت: الشَّرط ليس سببًا للجزاء بل الأمر بالعكس، قلت: مِثله يؤوَّل بالإخبار، أي: مَن أحبَّ لقاء الله أخبرَه الله بأنَّ الله أحبَّ لقاءهُ وكذلك الكراهة.
          وقال في «الفتح»: وفي قوله: «أحبَّ اللهُ لقاءهُ» العدولُ عن الضَّمير إلى الظَّاهر تفخيمًا وتعظيمًا ودفعًا لتوهُّم عود الضَّمير على الموصول؛ لئلَّا يتَّحد في الصُّورة المبتدأ والخبر، ففيهِ إصلاحُ اللَّفظ لتصحيحِ المعنى، وأيضًا فعودُ الضَّمير على المُضاف إليه قليلٌ.
          وقال ابنُ الصَّائغ في «شرح المشارق»: يُحتمل أن يكون لقاء الله مضافًا للمفعولِ فأقامه مقامَ الفاعل، و«لقاءَه» إمَّا مضافٌ للمفعول والفاعلُ(2) الضَّمير، أو للموصوف؛ لأنَّ الجواب إذا كان شرطًا فالأولى أن يكون فيه ضميرٌ. نعم هو موجودٌ هنا ولكن تقديرًا(3).
          (قَالَتْ عَائِشَةُ _أَوْ: بَعْضُ أَزْوَاجِهِ_) صلعم ورضي اللهُ عنهنَّ بـ «أو» للشَّكِّ، وجَزم سعد بن هشامٍ في روايتهِ عن عائشة بأنَّها هي الَّتي قالت ذلك ولم يتردَّد (إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ) ظاهره أنَّ المراد بلقاءِ الله في الحديث الموت، وليس كذلك؛ لأنَّ لقاءَ الله غيرُ الموت؛ يدلُّ عليه قوله في الرِّواية الأخرى: «والموت دون لقاء الله» لكن لمَّا كان الموت وسيلةً إلى لقاءِ الله عبَّر عنه بلقاءِ الله؛ لأنَّه لا يصلُ إليه إلَّا بالموت.
          قال حسَّانُ بن الأسود: الموتُ جسرٌ يوصلُ الحبيبَ إلى حبيبهِ.
          (قَالَ) ╕ : (لَيْسَ ذَاكِ) بغير لام مع كسر الكاف، ولأبي ذرٍّ: ”ذلك“ (وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ) بتشديد نون «لكنَّ» ولأبي ذرٍّ: ”ولكنْ المؤمنُ“ بالتَّخفيف ورفع «المؤمنُ» (إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللهِ) ╡ (وَكَرَامَتِهِ) بضم الموحدة وكسر الشين المعجمة المشددة (فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ) بفتح الهمزة، أي: ممَّا يستقبلُه بعد الموت (فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ) ╡ (وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ).
          وفي حديث حميدٍ عن أنسٍ المرويِّ عند أحمدَ والنَّسائيِّ والبزَّار: «ولكنَّ المؤمنَ إذا حضرَ جاءهُ البشيرُ من الله، وليس شيءٌ أحبَّ إليه مِن أن يكون قد لقيَ الله فأحبَّ الله لقاءَهُ».
          وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى: حدَّثني فلان بن فلانٍ: أنَّه سمعَ رسول الله صلعم ... الحديث. وفيه: «ولكنَّهُ إذا حُضِرَ: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:89-90] فإذا بشِّر بذلكَ أحبَّ لقاءَ اللهِ، واللهُ للقائهِ أحبُّ» رواه أحمدُ بسندٍ قويٍّ، وإبهامُ الصَّحابيِّ لا يضرُّ.
          (وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ) بضم أولهما وكسر ثانيهما (بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ) ممَّا يستقبل (كَرِهَ) بكسر الراء، ولأبي ذرٍّ: ”فكره“ (لِقَاءَ اللهِ) ╡ (وَكَرِهَ اللهُ) ╡ (لِقَاءَهُ).
          وفي حديثِ عائشة عند عبدِ بن حميدٍ مرفوعًا: «إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا قيَّضَ اللهُ له قبلَ موتهِ بعامٍ مَلَكًا يسدِّدُهُ ويوفِّقه حتَّى يقال: ماتَ بخيرِ ما كان، فإذا حُضِرَ ورأى ثوابهُ اشتاقتْ نفسهُ، فذلكَ حينَ أحبَّ لقاءَ اللهِ، وأحبَّ اللهُ لقاءهُ، وإذا أرادَ اللهُ بعبدٍ شرًّا / قيَّضَ اللهُ له قبلَ موتهِ بعامٍ شيطانًا فأضلَّهُ وفتنَهُ‼ حتَّى يقال: ماتَ بشرِّ ما كان عليهِ، فإذَا حُضِرَ ورأى ما أعدَّ اللهُ له من العذابِ جزعَت نفسُهُ، فذلكَ حينَ كرهَ لقاءَ اللهِ، وكرهَ اللَّهُ لقاءهُ».
          وحديثُ الباب أخرجهُ مسلمٌ في «الدَّعوات»، والتِّرمذيُّ في «الزُّهد» و«الجنائز»، والنَّسائيُّ فيها.
          (اخْتَصَرَهُ) أي: الحديث (أَبُو دَاوُدَ) سليمان الطَّيالسيُّ، ممَّا أخرجهُ التِّرمذيُّ موصولًا عن محمود بن غيلانٍ عنه (وَعَمْرٌو) بفتح العين، ابن مرزوقٍ، ممَّا أخرجهُ الطَّبرانيُّ في «الكبير» موصولًا، عن أبي مسلمٍ الكَجِّيِّ ويوسف بن يعقوب القاضِي كلاهما عن عَمرٍو (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجَّاج، حيث اقتصرَ على أصلِ الحديث ولم يقلْ: «فقالتْ عائشة...» إلى آخره.
          (وَقَالَ سَعِيدٌ) بكسر العين، ابنُ أبي عَرُوبة، ممَّا وصله مسلمٌ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ زُرَارَةَ) بضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف آخره هاء تأنيث، ابنِ أبي أوفى العامريِّ (عَنْ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن هشامٍ الأنصاريِّ ابن عمِّ أنس بن مالكٍ (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ).


[1] في (ب) و(س): «به».
[2] في (ع) و(د): «أو الفاعل».
[3] قال الشيخ قطَّة ⌂ : قوله: «وقال ابنُ الصَّائغ» إلى «ولكن تقديرًا» هذه العبارة لا يخفى ما فيها من الركاكة، وهي ساقطة من أغلب النسخ. انتهى. قلنا: وهي ثابتة في نسخنا كلّها.